إن ظاهرة السكن عند بيت العم ، أعادت وفرضت نفسها بقوة في المجتمع اللبناني ولا سيما الطرابلسي والعكاري منه ، ليصبح البيت يتسع لأكثر من كنّة ، و لتصبح بالتالي مملكة الرجل  وزوجته حكراً على حدود الغرفة .

هذه الظاهرة ، التي يترتب عليها كثير من المشاكل وحالات الطلاق ، وعدم التفاهم بين الشريكين نظراً لتدخل جميع أفراد المنزل بأدق التفاصيل ، أصبحت أمر واقع ومقبول .

فالشاب اللبناني ، الذي لا مردود يكفيه لتأسيس أسرة - هذا إن امتلك عملاً في ظل الوضع الإقتصادي المتردي – أصبح يلجأ للسكن في كنف امه وأبيه ، ليوفر بذلك ايجار البيت الذي يبدأ من 450$ ، وليتشارك المصروف مع ذويه .

والفتاة اللبنانية ، التي أصبحت تحيا بهاجس "العنوسة" ، وهي التي تنافسها على ملعبها الفلسطينية والسورية ، أصبحت ترضى بالأمر الواقع ، وتقول : (المهم السترة) .

لتعود لنا ، حياة "الحصيرة" و "الخبزة والزيتونة " ، ولكن بشراكة عائلية وبأفراد كثر .

 

هذا الواقع لم يفرق بين متعلم وأميّ ، ولا بين فتاة عاملة وأخرى غير عاملة ، ولا بين شاب واعي أو غير واعي ، فالمجتمع الذي يعتبر تأخر الزواج "عاهة للفتاة" ، و"قلة رجولة" للرجل ، يفرض عليهما حلين أحلاهما مر ، أو خطوبة لسنوات ، أي لأجل غير مسمى ، أو غرفة "عند بيت العم " .

 

فـ (ع) مثلاً ، فتاة متعلمة 26 سنة ، فرض عليها الوضع الإقتصادي المر الزواج عند أهل زوجها .

 البيت ليس بكبير ولا واسع ، وليست الكنة الوحيدة فيه ، بل تشاركها كنة أخرى ، إضافة إلى والدة الزوج وشقيقه الغير متزوج .

عن كيفية حياتها تقول (ما بتدخل حدا بحالي بذاتي ) ، وهي تعمل على أن تحقق قريباً انتقالاً لها واستقلالية .

 

(ف) ، فتاة أخرى ، عمرها 19 عاماً ، تمت خطوبتها على أنها ستتزوج في بيت مستقل ، ولكن الآن وبعد مضي عام على ارتباطها ، وبسبب الأوضاع المعيشية الصعبة ، أصبح من غير الممكن زواجها في بيت مستقل ، ممّ دفع خطيبها لاقتراح إتمام الزواج عند بيت أهله بدلاً من المماطلة بفترة الخطوبة .

(ف) ، سواء رضيت أم لم ترضَ ، فهي لن تتمكن من الإعتراض في ظل مجتمع يعتبر الأنثى "للوأد" .

 

(م) ، ليست واردة لديها فكرة السكن عند أهل الزوج ، هي مخطوبة منذ أكثر من عام ولا مانع لديها أن تظل عامين وأكثر ، المهم أن تستقل بحياتها في مملكتها الخاصة .

 

أما على صعيد الشبان ، فمنهم من يجد أسهل درب "بيت أهله" ، ومنهم من يرفض الفكرة ليظل عازب حتى "الله يفرجها " .

فربيع مثلا ، 24 عاماً لا يفكر حالياً في الزواج ، ببساطة لا إمكانية له لتأسيس منزل في الوضع الحالي ، هو وحيد والديه ، وعند سؤاله :

لمَ لا تتزوج عندهما ؟

قال : (كل فارة بدا حارة ) ، بإشارة لأن كل شخص يريد حياته الخاصة .

 

محمد 27 عاماً ، لا مانع له من الزواج عند أسرته ، فهو لن يتمكن قبل سنوات من تأمين بيت هذا إن تمكن ، هو فقط في إنتظار الفتاة التي تشاركه عمره (عالحلوة والمرة ) .

 

في ظل هذا الواقع ، عدنا لمسلسلات "باب الحارة" ، لتصبح الاستقلالية والتي هي حق ، حلم يقظة ، في ظل أسعار البيوت الخيالية ، والإيجارات التي تفوق الحد الأدنى للأجور .

فأين الدولة من سياسة سكنية  ، وأين هي من ربط الاجور بغلاء المعيشة ؟!!!