ذكرت صحيفة "الدايلي تلغراف" البريطانية ان  نظام بشار الأسد وضع رئيس جهاز المخابرات السوري، علي المملوك، في الإقامة الجبرية بشبهة التخطيط لتنفيذ انقلاب، في مؤشر رأت الصحيفة انه يدلّ على أن "الخسائر في ساحة المعركة تتسبّب بتعاظم البارانويا في دمشق".
ففي المعلومات ان علي المملوك، رئيس مكتب الأمن القومي، وأحد المسؤولين القلائل الذين لا يزالون قادرين على الوصول إلى الرئيس بشار الأسد، بإجراء محادثات سرية مع بلدان تدعم مجموعات الثوار، وأعضاء منفيين في النظام السوري.
وقد قالت مصادر داخل القصر الرئاسي السوري لصحيفة "التلغراف" إن الأسد يسعى جاهداً للحفاظ على تماسك "الدوائر الداخلية" للنظام التي تنقلب بعضها على بعض بوتيرة متزايدة.
حتى قبل اعتقال المملوك، كانت شبكة الأجهزة الاستخبارية التي فرض النظام سلطته من خلالها طيلة أربعة عقود، تعاني من الاضطرابات مع مقتل قيادي آخر وعزل الثاني من منصبه.
فخلال الشهر المنصرم، توفّي رستم غزالة، رئيس شعبة الأمن السياسي، في المستشفى بعد تعرّضه لاعتداء جسدي من رجال موالين للواء رفيق شحادة، رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، الذي أقيل بدوره من منصبه.
يقال إن الدور الذي تؤدّيه إيران، حليفة سوريا في المنطقة، يقع في صلب الخلافات، حيث يخشى البعض في "الدوائر الداخلية" للنظام أن المسؤولين الإيرانيين باتوا يفوقونهم سلطة ونفوذاً.
وكان للتأثير الإيراني دور أساسي في تعزيز الدفاعات السورية ضد الثوار، لكن حتى هذه الدفاعات تنهار في وجه تقدُّم الثوار في الشمال في الآونة الأخيرة.
بحسب المعلومات، ما إن فقدت القوات السورية السيطرة على مدينة إدلب وجسر الشغور لصالح تحالف من الثوار الإسلاميين يضم "جبهة النصرة"، الفرع المحلي لتنظيم "القاعدة"، حتى بدأ المملوك يتواصل مع الحكومات المعادية للنظام ومسؤولين سابقين في النظام السوري.
قال مصدر رفيع في النظام السوري على اطلاع مباشر على الخطة: "كان المملوك على تواصل مع الاستخبارات التركية عن طريق وسيط".
كذلك استخدم المملوك رجل أعمال من حلب وسيطاً للاتصال برفعت الأسد، عم بشار، الذي يعيش في المنفى منذ اتهامه بالسعي إلى الانقلاب على النظام في سوريا في الثمانينات.
وقد رفض رفعت الأسد التعليق على هذه التقارير، لكن مصدراً مطلعاً طلب عدم الكشف عن هويته ذكر أن "الضباط السوريين وعناصر الجيش السوري يبدون اهتماماً كبيراً بعودة رفعت الأسد إلى سوريا".
ويُعتقَد أن عملاء إيران في سوريا يسيطرون على مصالح حكومية واسعة، من المصرف المركزي وصولاً إلى استراتيجية المعارك.
وقد علّق مصدر مقرّب من القصر الرئاسي: "معظم المستشارين في القصر الرئاسي هم الآن إيرانيون. يكره المملوك أن تضع سوريا سيادتها في أيدي إيران. واعتبر أنه يجب تغيير الوضع". ويُعتقَد أنه كان لغزالة الرأي نفسه عن النفوذ الإيراني.
على غرار المملوك، ولد غزالة من أسرة سنّية، وكان معارضاً للنفوذ الذي اكتسبه "الحرس الثوري الإيراني" الشيعي ووكيله اللبناني "حزب الله" في سوريا.
وقد قال عصام الريس، المتحدث باسم مجموعات الثوار في الجبهة الجنوبية التي تحارب على مقربة من مسقط رأس غزالة في درعا، إن المعلومات الاستخبارية التي تم الحصول عليها من الأسرى وسواهم تُظهر أن غزالة كان معادياً بشدة لإيران.
أضاف: "كان يشتكي من أنه ورجاله يُعامَلون مثل الحثالة، في حين أن الإيرانيين والميليشيات يتصرّفون مثل الأسياد".
تابع الريس: "اعتقل شحادة اثنين من أبناء أشقاء غزالة في مسقط رأسه لأنهم رفضوا القتال بإمرة إيران. توجّه غزالة إلى مقر الاستخبارات العسكرية للدفاع عنهما وطلب الإفراج عنهما، لكن رجال شحادة ضربوه".
أصيب غزالة بضرر في الدماغ، وأمضى أسابيع عدة في المستشفى قبل أن يعلن النظام رسمياً وفاته في 24 نيسان الماضي.
وقد أكّد مصدران في النظام طلبا عدم الكشف عن هويتهما، رواية الريس.
يرتدي النظام السوري أهمية بالغة بالنسبة إلى إيران التي تستعمل سوريا طريقاً أساسياً لنقل الأسلحة إلى "حزب الله".
وبما أن مصيرَي النظامَين مترابطان ارتباطاً وثيقاً، تقوم إيران بتمويل الحرب التي يخوضها الرئيس الأسد وتزوّدها بالخبرات والسلاح.
غالب الظن أن الاقتصاد السوري المتعثّر كان لينهار لولا التسهيلات الائتمانية التي قدّمتها طهران، والتي بلغت أكثر من 15 مليار دولار حتى تاريخه، بحسب وزير المال السوري.
وقد روى مصدر مقرّب من الحكومية الإيرانية لـ"التلغراف" أن الاجتماعات كانت متشنّحة، وأحياناً مشحونة جداً عندما قام مسؤولون كبار في النظام السوري بإحدى زياراتهم المعتادة إلى طهران خلال الشهر الماضي.
وأضاف المصدر: "قال المسؤولون السوريون إنهم يخسرون السيطرة على سوريا. حتى إنهم اقترحوا في مرحلة معيّنة النظر في عقد اتفاق مع المعارضة. فاستشاط الإيرانيون غضباً. بعد كل ما فعلوه، لن يخسروا السيطرة".
وقال تشارلز ليستر، الخبير في الشؤون السورية في مؤسسة بروكينغز، إن النظام السوري يواجه في الآونة الأخيرة المأزق الأكبر الذي يتعرض له منذ سنوات.
وأضاف: "يبدو أن إيران هي التي تمسك بزمام الأمور الآن. وأحد الأسباب هو الخوف من أن النظام قد ينهار من الداخل. تحاول طهران بناء جدار حولهم".