لم يدم الرد الأميركي على رسائل القمة التشاورية لدول الخليج طويلا، فقد توقعت مصادر أميركية أن يجدد الرئيس باراك أوباما الأسبوع المقبل مساعيه لنشر منظومة دفاعية تغطي المنطقة لحمايتها من الصواريخ الإيرانية.

واعتبر مراقبون أن المبادرة إلى إعلان رغبة أوباما في نشر المنظومة الصاروخية تزامنت مع نتائج القمة الخليجية التي أربكت البيت الأبيض من ناحية عزم دول مجلس التعاون تنويع مصادر تسليحها لمواجهة التمدد الإيراني في المنطقة، وأن الرسالة الخليجية قد وصلت كأبلغ ما يكون.

ومثّل حضور الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند فعاليات القمة والصفقات التي حصل عليها خلال جولته الخليجية رسالة قوية للأميركيين مفادها أن دول الخليج جادة في البحث عن حلفاء جدد على قاعدة المصالح المتبادلة، وأنه ليس في الوارد أن تظل صامتة في انتظار أن تحدد إدارة أوباما شكل العلاقة مع إيران.

ويواجه أوباما تحديا هائلا في محاولة إقناع الحلفاء الخليجيين المتشككين في أولويات سياسته الخارجية بالتوصل إلى اتفاق نهائي مع إيران الشيعية حول برنامجها النووي في موعد أقصاه 30 يونيو القادم. وربما يؤدي الإخفاق في تهدئة مخاوفهم إلى مزيد من التوتر في العلاقات بين الجانبين.

وكان أوباما أصدر دعوة إلى قادة مجلس التعاون الخليجي يومي 13 و14 مايو الجاري بغاية طمأنتهم إلى أن الاتفاق النووي مع إيران لن يكون على حساب أمنهم، لكن مراقبين يشككون في أن تلتزم إدارة أوباما بربط إمضاء الاتفاق مع إيران بوقف تهديد أمن جيرانها الخليجيين.

وتخشى دول الخليج العربية وعلى رأسها السعودية أبرز حلفاء الولايات المتحدة أن تواصل إيران السعي إلى امتلاك القنبلة النووية وتدفق المال عليها نتيجة رفع العقوبات وتحرير الأرصدة المجمدة بما يسمح لها بتمويل ميليشيات تعمل لحسابها وتوسعة نفوذها في دول مثل سوريا واليمن ولبنان.

ولأن دول الخليج تخشى أن يغلف أوباما أي تعهدات أمنية جديدة بالغموض فقد أوضحت أنها تريد ترجمة ذلك إلى خطوات ملموسة. وقال دبلوماسي عربي “هذه القمة لا يمكن أن تكون مناسبة كبرى لالتقاط الصور للتظاهر بأن الجميع له نفس الموقف من إيران”.

وتأتي زيارة وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الرياض لتأكيد دعم واشنطن للمقاربة السعودية في اليمن بدءا بمشروعية عاصفة الحزم، وصولا إلى اشتراطها أن يكون الحل على قاعدة المبادرة الخليجية.

وأعلن كيري أن “الحوثيين هم من صنعوا الأزمة في اليمن وعليهم الالتزام بقرار مجلس الأمن الدولي”.

ويقول مسؤولون أميركيون إن العرض بإحياء برنامج الدرع الصاروخية قد تصحبه التزامات أمنية متطورة ومبيعات أسلحة جديدة ومزيد من المناورات العسكرية المشتركة في إطار مساعي أوباما لطمأنة دول الخليج. ويستضيف أوباما الأسبوع المقبل قادة دول مجلس التعاون الخليجي في البيت الأبيض ثم في منتجع كامب ديفيد الرئاسي.

وقالت المصادر إنه من المرجح إبرام عدة صفقات أسلحة بما في ذلك إعادة تزويد دول الخليج بالقنابل والصواريخ لتعويض ما استنفد منها في الهجمات الجوية في اليمن والضربات الموجهة لتنظيم الدولة الإسلامية في الحملة التي تقودها الولايات المتحدة في سوريا.

ويسلم مسؤولون أميركيون مطلعون على ما يدور في المناقشات الداخلية بأن أوباما يتعرض لضغوط داخلية لتهدئة مخاوف العرب بتقديم التزامات أقوى أثرا.

وتلقى المخاوف الخليجية تفهما لدى أوساط أميركية كثيرة خاصة ما تعلق بغموض الاتفاق مع إيران، وهل سينجح في تفكيك بنيتها النووية أم مجرد تعطيل ظرفي لها، فضلا عن التلازم بين الملف النووي والدور العدائي الذي تعلبه طهران في المنطقة، وهو ما قد يدفع دول المنطقة إلى دخول سباق محموم نحو التسلح.

وقال المحلل مايكل سينغ بصحيفة “وول ستريت جورنال” إن افتقار اتفاق الإطار إلى شرط يلزم إيران بتفكيك بنيتها التحتية النووية يوحي بأن إدارة أوباما تراهن على تنامي ودية القيادة الإيرانية خلال الأعوام العشرة القادمة.

وحذر فرزين نديمي المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية والدفاعية لإيران ومنطقة الخليج من أن الاتفاق من الممكن أن يؤدي إلى منح إيران الجرأة الكافية لتبني موقف أكثر عدائية في المنطقة خلال الأعوام المقبلة.

ولم يتضح على وجه التحديد ما ستعرضه واشنطن على الدول الخليجية -التي تمتلك بعضا من أحدث الأسلحة الأميركية- من أجل إقناعها بالدرع الصاروخية.

ويعتقد خبراء الآن أن الوقت قد حان لزيادة التعاون بسبب تدهور الوضع الأمني في المنطقة كلها. وقال ريكي إليسون مؤسس تحالف مناصرة الدفاع الصاروخي وهو منظمة لا تهدف إلى الربح “الدفاع الصاروخي حاسم بكل تأكيد لمجلس التعاون الخليجي الآن”.

وأضاف أن كفاءة الدفاع الصاروخي تزداد في حالة ربط الوحدات المختلفة ليكون أداؤها بمثابة أداء فريق واحد.

ومن المرجح أن يحث أوباما دول الخليج على بذل المزيد لتحقيق التكامل بين جيوشها المتباينة والعمل من أجل إقامة درع مضادة للصواريخ طرحت فكرتها منذ مدة طويلة للتصدي لخطر الصواريخ البالستية الإيرانية. وقد تتبلور هذه الفكرة في صورة مجموعة عمل مشتركة جديدة على مستوى عال تحت قيادة وزارة الدفاع الأميركية.

 

المصدر: صحيفة العرب