بلغ حزب الله مرتبة نضالية عالية في مسألة الصراع مع العدو الاسرائيلي منحته فرص استثنائية لم تصح لغيره من أحزاب المقاومة فدخل الوجدان العربي من شريانه العاطفي وشكل حالة متعاطفة مع خيارات الشعوب في حين أن ما يسيطر على العالم العربي هو تسويات الأنظمة مع الاحتلال الاسرائيلي .

طبعاً في بدايات تأسيسه كان الحزب مكروهاً خاصة من قبل الأكثرية الملتفة حوله الآن من الشتّامين لأنه كان متماسك في عقيدته كحال كل الأحزاب التي تبدأ متمسّكة بأفكارها وبطريقة حنبلية ومع اتساع رقاع انتشارها تتهاون مع منطقها الصارم وتتحول مع السلطة والريادة الى جهة رخوة ومتسامحة في كثير من الأمور ومهما كانت أساسية لأن منطق السلطة مختلف تماماً مع منطق التأسيس السلطوي .

منح نصرال2000حزب الله الجائزة العربية الكبرى ورصيد اضافي عليها جعل من رأسمال الحزب ينمو ويكبر باستمرار الى أن جاءت عملية اغتيال الرئيس الحريري وما تبع ذلك من ظروف ونتائج أدخلت حزب الله في حالة الانقسام عليه ومن ثم دفع الربيع العربي وبفصله السوري خصوصاً الحزب الى مكانة لا يُحسد عليها بحيث أصبح حزب المقاومة حزب الطائفة بعد أن كان حزب العرب .

لقد آخذ عليه الكثيرون دوره العسكري في سورية وتأثيراته السلبية على السياسة الداخلية للبنان وتموضعه في محور تقوده ايران لتحسين شروطها في مفاوضاتها مع الشيطان الأكبر وقيل ما قيل من قبل القاصي والداني بحق المقاومة ودورها المتجاوز والعابر للحدود دون التفات الى مصالح لبنان وتوجهات مكوناته الطائفية والمذهبية .

من الصعب فهم حزب بحجم حزب الله اذ أن الكثيرين من المتفقين أو من المختلفين معه يتطلعون اليه كتنظيم بنيوي متماسك يملك قدرات نجح في توظيفها كمقاومة ضد المحتل ويعوّل عليه كقوّة ردع في استراتيجية الدفاع المقررة في طاولة مفاوضات قصر بعبدا ومن الصعب اختزال حزب  الله كتجربة ميدانية ناجحة لبنانيّاً والاكتفاء بذلك وتوجيه دعوة الانخراط الطوعي له في السياسة اللبنانيّة من موقع الالتزام بسقف الدولة بعد هدم الدويلة .

بتقديري أن من يلغي حق  حزب الله في المقاومة على الجبهات الجديدة ينطلق من مسوغات وحسابات خاطئة لأن الحزب ليس حزباً كما هي حال الأحزاب بمعنى أنه تدبير مؤقت لانجاز مشروع أو لتحقيق مطالب وبعدها يستحيل الى شيء آخر كما أنه ليس حالة ثورية بالمعنى الغيفاري أو البروليتاري يبحث عن الصراعات الطبقية للمساهمة فيها فهو جزء مهم من  مشروع أوسطي في مرحلة يُعاد فيها صياغة التوازنات الاقليمية وعليه تقع مسؤوليّات بحجم المستقبل المقبل للمنطقة لذا انخرط طوعاً في المعارك القائمة بدءًا من سورية ووصولاً الى اليمن لأن خارطة النفوذ في المنطقة تحتاج الى قوى فاعلة وحيّة لا الى جهات متفرجة تحسُباً لجديد يستفيدون منه دون أن يكون لهم سهم في سهم أطلقوه في معركة دائرة لتحقيق توازنات جديدة مؤثرة بسياسات المنطقة .

فلا أحد يقاتل عن أحد لا في سورية ولا في العراق ولا حتى في اليمن بل ان المقاتل يقاتل عن نفسه في معارك عنيفة لصنع سياسة أوسطية لا يتحكم فيها الا من انتصر في المعارك القائمة وبناءً عليه يصح دخول حزب الله في المعارك التي قد تتسع لتشمل بلدان أخرى طالما أن الأسباب كافية لاستدعاء الجميع الى حرب ضروس لتحقيق مكاسب دسمة بحجم التحكم بمنطقة خصبة جداً .

لقد بنى حزب الله نفوذه من خلال انتصاره وهو بدون الانتصار يخسر من رصيده المتبقي لذا يؤكد أمينه  العام وعده الدائم بالنصر ويبدو أن هناك استعداد كبير من قبل حزب الله لتحقيق محدود لهذا الوعد سواء من خلال القلمون أو غيرها من المناطق السورية لاعادة التوازنات السورية الى مواقع متقاربة تحسيناً لشروط ما في مرحلة يتمّ فيها اضعاف ايران التي دخلت مفاوضاتها مع واشنطن من موقع الدولة الممسكة بأكثر من ورقة اقليمية بغية توهين نتائج الاتفاق الامريكي – الايراني وخاصة في بعده الأمني .

أمام مرحلة من الوهن الناتج عن عاصفة الحزم وعن تقدم المعارضة السورية عسكرياً أصبح على حزب الله  لزام تحقيق النصر والفتح لجعل الوهن وهماً في نظر الذين دخلوا دين المقاومة أفواجاً مخافة الارتداد عن الدين والعودة الى جاهليتهم الأولى .