في الذكرى الأربعين لإندلاع الحرب الأهلية اللبنانية، إنقسم اللبنانيون وكعادتهم حول تقييم هذه الحرب، منهم من يمجدها ويتحدث عن بطولاته وبطولات حزبه فيها وعن صوابية خياراته خلالها، ومنهم من يتحدث عن مآسيها وويلاتها، ومنهم من ينتقد تلك التجربة المريرة ويدعو لأخذ العبر منها لعدم تكرارها في القادم من الأيام كما فعل النائب وليد جنبلاط على حسابه على التويتر والذي فضّل الصمت على الكلام، كونه "يمثّل فريق من الفرقاء الذين جرفتهم موجات العصبيات والأحقاد".

لكن نقد تلك التجربة جاء فصيحا" وصريحا" على لسان المناضل محسن ابراهيم من على منبر ذكرى أربعين صديق عمره ورفيق سلاحه الشهيد جورج حاوي في العام ٢٠٠٥ عندما إنتقد الفريق الذي كان ينتمي إليه خلال الحرب والمتمثل بالحركة الوطنية وإنتقد مشاركتها في الحرب الأهلية حيث قال: "خطأين إرتكبتهما الحركة الوطنية خلال الحرب هما:

الخطأ الأول، اننا في معرض دعم نضال الشعب الفلسطيني، ذهبنا بعيداً في تحميل لبنان من الأعباء المسلحة للقضية الفلسطينية فوق ما يحتمل، طاقة وعدالة وإنصافاً.

والخطأ الثاني، اننا استسهلنا ركوب سفينة الحرب الأهلية تحت وهم اختصار الطريق الى التغيير الديموقراطي".

وعن التجربة الناصعة لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية(جمّول) والتي إنطلقت خلال الحرب الأهلية، قال محسن إبراهيم:"اما عن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي اطلقنا نداءها معاً يوم السادس عشر من ايلول سبتمبر 1982 وأعطاها ابو انيس، اعلاناً ومتابعة ورعاية، كل ما يملك وكل ما تستحق، فكانت بحق حدثاً تأسيسياً لا نظير لأهميته في تاريخ اليسار اللبناني وفي مجرى العمل الوطني اللبناني"

وعن هدر الفرص التي إعتاد عليها الحراك الطوائفي قبل الحرب والذي شكّل المحرّك الرئيسي لتلك الحرب القذرة وإستمرّ في تضييع الفرص بعد إنتهائها وخاصة" بعد خروج جيش النظام السوري من لبنان في ٢٦ نيسان ٢٠٠٥ فقال محسن إبراهيم :" لقد فوت الحراك الطوائفي العارم على البلد فرصة تحويل التخلص من قيد الهيمنة السورية الرسمية الثقيل على مقدراته الى انجاز استقلالي جامع يخطو بالوطنية اللبنانية مسافة جديدة نحو النضوج التوحيدي".

وهذا الحراك الطوائفي العارم الذي أدخلنا في أتون الحرب الأهلية منذ أربعين عاما"، هو نفسه الذي أدخلنا وسيدخلنا أكثر في أتون حرب مذهبية سنية-شيعية قد تؤدي إلى إندلاع حرب أهلية قذرة من جديد إذا لم يقرأ جيدا" أطراف هذا الصراع المقيت تجربة الحرب الأهلية ومغامرات من سبقهم في محاولات يائسة لفرض إرادتهم وأجندتهم على الآخرين.

من هنا، فإنّ الحرب الأهلية لن تنتهي نهائيا" ولن تذهب ومفاعيلها إلى غير رجعة، إلاّ إذا إمتلك كل من شارك فيها جرأة ممارسة النقد الذاتي التي إمتلكها وتحدث عنها الشهيد جورج حاوي قبل إستشهاده ومنذ اليوم الأولّ على وقف تلك الحرب، وتجسدّت تلك الجرأة قي لقائه الشهير في غدراس مع ألدّ أعدائه خلال الحرب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، ومن ثم الحوار الذي دعا إليه جورج حاوي ونظّم أحد حلقاته في منزله في بتغرين يوم جلس مع النائب وليد جنبلاط على كنبة واحدة وبينهما الرئيس أمين الجميل، ليقول بالصوت والصورة بأن الحرب إنتهت إلى غير رجعة، والجرأة نفسها تحدث فيها المناضل محسن إبراهيم في أربعين جورج حاوي بعد صمتٍ دام لسنين، أما تمجيد كل حزب لما قام به في الحرب وتقديم ذلك للجيل الجديد على أن هذه الممارسات وهذه المشاركة في الحرب هي التي أبقت لبنان على الخريطة، وبأن تلك الأحزاب مستعدة لتكرار ما فعلته في الحرب لو عاد بها الزمان إلى الوراء،

هذه الخزعبلات والترهات هي المسؤولة عن إبقاء نار الحرب الأهلية مشتعلة تحت رماد السلم الأهلي الهشّ، على الرغم من مرور ربع قرن على إنتهاء تلك الحرب العبثية.