لطالما أدار رستم غزالي ملفّات سياسية أوكلَه فيها النظام في سوريا. فعل ذلك في لبنان ثم في سوريا. اليوم غزالة خارج الخدمة بعد لكمةٍ على وجهه من قبل ضابط آخر في الاستخبارات السورية أيضاً. ما جرى لغزالة كان جزءاً من قواعد اللعبة داخل النظام السوري. اللكم هو جزء من العلاقات الداخلية التي تربط جماعات النظام بعضهم ببعض. اللغة مع الخصوم أكثر وضوحاً، ذاك أن الموت يُخيم عليها.

كُتب الكثير عن غزالة في الآونة الأخيرة. وكُشف الكثير من الوقائع أيضاً. ابتزازه رفيق الحريري وتسبّبه بإفلاس رنا قليلات وصولاً إلى اللكمة القاضية التي تعرض لها. كل ما كُتب من وقائع وتأويلات وتعليقات لا يوفي الرجل سيرته، ذاك أننا حيال رجل تتكثف في سيرته وقائع مُخصبة للخيال.

كل ما قيل عنه صحيح، وكل ما كنا نعتقد أنه نسج خيال خصومه صار وقائع. علينا أن نُنشط ذاكرتنا حتى نحيط بوقائع القصة، قصة رستم غزالة معنا. هل تذكرون الرسالة الصوتية المُسرّبة التي تضمّنت حديثاً بينه وبين الرئيس نبيه بري؟ في حينها قيل إن الرسالة مفبركة وإنّ رستم غزالة لا يمكن أن يتكلم مع بري بهذه اللغة. اليوم علينا أن نتحقق منها. أعتقد أن ذلك سيكون مسلياً ناهيكم عن أنه مفيد.

علينا أيضاً أن نراجع ما جرى بينه وبين صاحب محطة تلفزيون "الجديد" تحسين خياط، وعلينا أن نُسجل للأخير جرأته في مواجهة غزالة، ولكن أيضاً في ضوء اللكمة الأخيرة على وجه غزالة علينا أن نأخذ في الاعتبار أن النظام في سوريا يُتيح تجرؤاً على ضابطٍ فيه إذا ما بقي التجرؤ في حدود الولاء، وهذا ما جرى لخياط، ذاك أن الرجل تجرّأ على غزالة ولكنه بقي مقرباً من آخرين في النظام.

لغزالة قصص كثيرة معنا نحن اللبنانيين، وقصص أكثر مع السوريين. حصيلة هذه القصص هي القصة الكبيرة للنظام في سوريا.

اليوم هو خارج الخدمة، وهذه ليست فرصة للتشفّي، إذ إن التشفّي لا يستوفي الخسائر. إنها فرصة لإطلاق الخيال حول هذا الرجل، ولإضافة الحبكة الواقعية على تراجيديا مجتمع حكمه رستم غزالة.

الغريب في قصة هذا الرجل وهذا النظام أنه على رغم كل ما كُشف عنهما ما زال يوجد من هو "مؤمن" بأن سوريا يجب أن تُحكم برجال من مثل هؤلاء، وما زال هناك في لبنان من هو مستعد لأن يُرسل طبيباً لمعالجة رستم غزالة وأن يُرفق ذلك ببيانٍ وقح يُفسر فعلته.

نعم لا أحد يستطيع أن يُنكر أن رستم غزالة أثناء ممارساته هذه كان ممثلاً للنظام في سوريا، ولا أحد استطاع أو سعى الى نفي ممارسات هذا الرجل، وبالتالي ممارسات النظام في لبنان وفي سوريا، لكن كثيرين لم يُنكروا على الرجل حقّه في ممارساته، ولم يُنكروا على النظام السوري حقه في احتلال لبنان.

هذا ما يُكسِب اللكمة على الوجه شرعيةً، ويجعل من هذه اللغة ممارسةً سياسية مقبولة. وليس ميشال عون لوحده من أرسل أطباء إلى دمشق لعلاج رستم غزالة، فذات يوم كنا جميعاً رعايا في دولة هذا الرجل، وقبلنا بلكمات على وجوهنا. في البداية اعتقدنا أنا ميشال عون من غير الموافقين، وإذ به يُرسل أطباء لمداواة وجه رستم غزالة، تاركاً وجوهنا التي شطبها الرجل مدماة ومن دون علاج.