إذا كانت القوى السياسية رفعت منذ أشهر “الراية البيضاء” وأقرت باستحالة “لَبْننة” الاستحقاق الرئاسي، فإن المعطيات المتوافرة داخلياً واقليمياً تثير مخاوف من دخول لبنان في أزمة نظام، خاصة إذا طال الفراغ الرئاسي ليتجاوز عامه الأول في 25 أيار المقبل أو ليكسر الرقم القياسي بتجاوزه 13 شهراً و13 يوماً، وهي الفترة الأطول التي قضاها لبنان بلا رئيس في نهاية ثمانينات القرن الماضي.

 

وأكد مصدر سياسي مطلع لصحيفة “السياسة” الكويتية أن الأشهر القليلة المقبلة حاسمة على هذا الصعيد، وقلل من أهمية التعويل على موعد 24 شباط الجاري، وهو التاريخ الذي تأمل إيران والقوى الكبرى التوصل فيه إلى اتفاق إطار على أن تستمر المفاوضات التقنية إلى نهاية حزيران المقبل.

 

وأوضح المصدر أن توقيع الاتفاق النووي بين إيران والدول الكبرى اليوم لا يعني انتخاب رئيس في لبنان غداً، ذلك أن هذا الملف مرتبط بدول عربية واقليمية أخرى وإن كان للموقفين الأميركي والإيراني الثقل الأكبر. كما أن الملف اللبناني ليس أولوية على الأجندة الدولية، مشيراً إلى أن النظرتين المتقابلتين لقوى “8 و14 آذار” تختلفان تماماً: فالأولى تعتبر أن الاتفاق سيؤدي إلى إطلاق يد حلفاء إيران في لبنان أي أن وصول عون إلى الرئاسة يصبح محسوماً، فيما تعول الثانية على أن يؤدي الاتفاق الإيراني– الغربي إلى حلحلة في موقف طهران المتشدد الداعم لعون ما يعني تخلي “حزب الله” عنه كمرشح وحيد، وهو ما يفتح الباب أمام البحث عن مرشح وسطي للرئاسة يكون مقبولاً من جميع الأطراف.

 

وبحسب المصدر، فإن تمسك “حزب الله” بعون وتشديده مراراً على أنه مرشحه الوحيد إلى الرئاسة أدى عملياً إلى “حرق” ترشيحه، لأن قوى “14 آذار” ليست في وارد التسليم بأن لبنان بات جزءاً من “الامبراطورية الايرانية”، سيما أن عون فشل في الحوارين مع “تيار المستقبل” و”القوات اللبنانية” بتقديم أوراق اعتماده كمرشح “وفاقي”، ذلك أن حديثه عن “تكامل وجودي” مع “حزب الله”، وتبنيه الاستراتيجية الممتدة من طهران إلى الضاحية الجنوبية لبيروت مروراً بدمشق، يدحض أي إمكانية لوقوفه على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية اللبنانية ويضعه بوضوح في محور طهران– دمشق– الضاحية بل ويجعله رأس حربة هذا المحور في لبنان.

 

ورجح المصدر أن يتمسك “حزب الله” بموقفه من الاستحقاق الرئاسي أقله حتى الصيف المقبل وربما الخريف، حيث يتوقع أن تنجلي بوضوح آنذاك ملامح التسوية الإيرانية– الأميركية المحتملة، ما يؤكد أنه غير مستعجل لإنهاء الفراغ الرئاسي الذي أنهك الدولة بكل مؤسساتها. والأخطر في هذا السيناريو، بحسب المصدر، هو انتقال لبنان من أزمة الفراغ الرئاسي إلى أزمة نظام مع ما لذلك من مخاطر كبيرة، سيما إذا قرر حلفاء طهران ودمشق العودة إلى نغمة “المؤتمر التأسيسي” الذي لطالما حلمت به إيران، بهدف إقرار “المثالثة” (بين السنة والشيعة والمسيحيين) بدل المناصفة القائمة (بين المسلمين والمسيحيين). وأوضح أن سيناريو “المثالثة” ربما يغري الدول الكبرى، وفي مقدمها الولايات المتحدة، على اعتبار أن طهران طرحته في العام 2007 كمخرج لسلاح “حزب الله”، ما يعني أن التسوية المفترضة ستكون في هذه الحالة على حساب المسيحيين.

 

وحذر المصدر من خطورة إقرار القوى السياسية بمختلف تلاوينها بأن مفتاح حل الأزمة الرئاسية بيد طهران، بمعنى أنه يمكن التوصل إلى تسوية واتفاق على مرشح وسطي بمجرد رفعها الغطاء عن عون، مؤكداً أن الملف اللبناني سيقى في ثلاجة الانتظار حتى انقشاع الرؤية اقليمياً. ورغم تقليله من أهمية الحوارين الجاريين بين “تيار المستقبل” و”حزب الله” من جهة وبين “التيار الوطني الحر” و”القوات اللبنانية” من جهة ثانية، لجهة قدرتهما على إحداث خرق في جدار الأزمة، أكد المصدر السياسي أن هدفها ملاقاة أي تسوية اقليمية– دولية محتملة من جهة، ومنع أي انفجار داخلي في حال فشل التسوية من جهة ثانية.