تبيّن مما ذكرناه في " المقال الجزء الاول " من خلال سرد الروايات التي نُقلت عن النبي (ص) وعن الائمة (ع) , أن موضوع القبور والمقامات والعلاقة معهما قد غالى فيها الناس بخلاف رغبة النبي (ص) وأهل بيته عليهم السلام , حتى العلماء قد تركوا وأهملوا مجموعة من الروايات وتمسكوا بواحدة فاسدة السند وباطلة المتن , وأسسوا من خلالها علاقة الجمهور بالمقامات والمزارات , وسادت هذه الرواية وما تضمنته على سائر الروايات التي صححها علماء الرجال من خلال السند والمتن .

 سنُعيد ذكر الرواية الوحيدة التي عالجها الدكتور علي شريعتي خير علاج وبيّن فسادها من حيث السند والمتن .

 

روى الحر العاملي في «وسائل الشيعة» (باب 26 من كتاب المزار) بسنده عن عَبْدِ الله بْنِ مُحَمَّدٍ الْبَلَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عُمَارَةُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي عَامِرٍ السَّاجِيِّ وَاعِظِ أَهْلِ الْحِجَازِ عن الإمام الصادق عليه السلام أنه قال (ضمن حديث طويل)

 يَا عَلِيُّ! مَنْ عَمَرَ قُبُورَكُمْ وتَعَاهَدَهَا فَكَأَنَّمَا أَعَانَ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ عَلَى بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ومَنْ زَارَ قُبُورَكُمْ عَدَلَ ذَلِكَ لَهُ ثَوَابَ سَبْعِينَ حَجَّةً بَعْدَ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ وخَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ حَتَّى يَرْجِعَ مِنْ زِيَارَتِكُمْ كَيَوْمَ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ هذا الحديث فاسد السند كما هو فاسد المتن.

راويه الأول «عبد الله بن محمد البلوي» ضعّفه علماء الرجال واعتبروه كذّاباً ووضّاعاً وطعنوا به وقالوا: لا ينبغي الاعتناء بحديثه. وقد روى عن «عمارة بن زيد» الذي صرّح علماء الرجال بشأنه أنه رجل لا وجود له وأن ما نُسب إليه من روايات كله كذب. حتى أنهم لما سألوا «عبد الله بن محمد البلوي» من «عمارة» هذا الذي تروي عنه؟ فقال: رجلٌ نزلَ من السماء فحدَّثني ثم عَرَجَ والراوي التالي هو أبو عامر وَاعِظُ أَهْلِ الْحِجَازِ وهو مجهول الحال ومهمل.

فبالله عليكم لاحظوا كيف امتلأت بلاد الشيعة من القباب المطلية بالذهب والأضرحة والأفنية والأروقة المبنية على القبور ووكيف وُقِفَتْ الأوقاف على القبور استناداً إلى مثل هذا الحديث المتهافت -وهو بالمناسبة الحديث الوحيد الوارد في تعمير القبور- الذي يرويه كذاب وضّاع عن شخص معدوم عن شخص مجهول! أوقاف ذات عائدات هائلة أُوقفت ليُنفق ريعها على صيانة تلك المزارات ولكي يعتاش منها جماعة من الطفيليين العالة على المجتمع في حين أن أكثر الناس لا يجدون قوتهم وأن البلاد من أكثر البلدان تخلفاً وتأخراً من الناحية الصناعية

والعجب من العلماء الذين ينقلون في كتبهم مثل هذا الحديث الفاضح!! وانظروا أي مصائب حلّت بالإسلام من ورائه، إذ ظنّ من جاء بعده من المسلمين أن هذه القباب والأضرحة وما فيها من الزينات والتشكيلات ليست بلا سند. لقد افترى «أبو عامر» المجهول هذه الرواية على الإمام الصادق (ع) كي يخدع بها العوام الذين لا علم لهم بكتاب الله، ولكن حبل الكذب قصير فإن هذا الراوي لم ينتبه إلى أن قبر أمير المؤمنين (ع) كان مخفياً زمن الإمام الصادق (ع) ولا أثر له! ولا يعلم أحد على وجه الدقة مكانه، وبالتالي فلم يكن هناك بناء حتى يُعمَّر وحتى يشترك من يعمّره مع سليمان في الأجر والثواب