يبدو أنّ رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي قرّر الاستقالة فعلياً من منصبه النيابي من دون أن يستقيلَ من العمل السياسي، تاركاً المقعدَ لنجلِه تيمور، ليشقّ طريقه إلى الحياة السياسية ويَرثَ الزعامة الجنبلاطية التي يتوارثها البيت الجنبلاطي أباً عن جَد منذ عشرات السنين وأكثر.

دوافع جنبلاط إلى هذه الاستقالة متعدّدة، وقد يعلنها الرجل في حينه، فهو بعد تمديد ولاية مجلس النواب مطلع الصيف الماضي فاتحَ رئيس المجلس نبيه برّي برغبته في الاستقالة من مقعدِه النيابي وتركِه لنجله تيمور. لكنّ برّي طلب منه تأجيل الأمر واستمهَله للبحث معه فيه لاحقاً، وحتى الآن لم يتّخذ برّي أيّ خطوة في هذا الصَدد، فيما جنبلاط ما زال ينتظر.

ويقول برّي في هذا الصَدد «إنّ خطوةً من هذا النوع تفرض إجراء انتخابات فرعية في الشوف لمَلء المقعد النيابي الذي يشغر في حال استقالَ الأستاذ وليد جنبلاط، وكذلك إجراء انتخابات مماثلة في جزّين لمَلء المقعد الذي شَغر قبل بضعة أشهر نتيجة وفاة عضو تكتّل «التغيير والإصلاح»النائب ميشال حلو، وليس صحيحاً ما ذُكر في هذا المجال من أنّني لا أريد إجراءَ انتخابات فرعية في جزين، ولكن إذا أردنا الآن أن نجريَ هذه الانتخابات‘ فإنّ علينا أيضاً أن نجري انتخابات لـ 56 بلدية منحَلّة مجالسُها، أو محدثة (26 بلدة منحَلّة و30 جديدة مُحدَثة). ولكنّ الوضع السائد لا يسمح بإجراء مثل هذه الانتخابات، وهو الذي كان سببَ التمديد لمجلس النواب.

وفي الوقت الذي ما زال جنبلاط ينتظر جواب برّي على رغبته في الاستقالة من النيابة، فإنّه طلبَ من نجله تيمور زيارته في عين التينة. وقيل في هذا المجال إنّه قال له: «إنطلاقتك السياسية تبدأ بزيارة عين التينة، ولقاؤك مع الرئيس برّي هو باكورة عملك السياسي».

وبالفعل، فقد زار تيمور عين التينة قبل أيام يرافقُه وزير الصحة وائل أبو فاعور، وكانت جلسة تعارُف للمرّة الأولى بينه وبين برّي. وقد خرجَ برّي بعد هذا اللقاء بانطباعات إيجابية عن زائره، إذ وصفَه بأنّه «دَمِث ورزين ومُقِلّ في الكلام كوالده، ويُحسِن الاستماع وعائليّ».
وقد نصحَه برّي قائلاً: «في السياسة، عليك أن تميّز بين قلبك وعقلك».

ويرى المراقبون أنّ هذه الخطوة الجنبلاطية، في حال حصولها عمليّاً، ستحظى بكثير من التفسيرات والتأويلات حول الأسباب التي تدفع جنبلاط إليها، في الوقت الذي يلتزم معاونوه وأعضاء كتلته النيابية الصمتَ، تاركين له أمرَ الحديث عن هذه الخطوة وأسبابها في التوقيت الذي يحدّده هو شخصياً، ولم يصدر عنهم سوى كلام مقتضَب قاله النائب غازي العريضي في الآونة الأخيرة، إذ أكّد ردّاً على سؤال عن رغبة جنبلاط بالاستقالة «أنّ رئيس اللقاء الديموقراطي يعمل على تكريس استثنائيته في الحياة السياسية اللبنانية من خلال المضيّ بهذا الخيار».

البعض يقول إنّ جنبلاط بعدما ذهبَ في خياراته السياسية بعيداً وفي اتّجاهات عدّة، بات لا يستطيع التراجعَ عن هذه الخيارات التي يبدو أنّه سيمضي وقتٌ طويل حتى يُكتبَ لها النفاذ، ولذلك قرّر البقاءَ عليها ملاحِقاً ومتابعاً من خلال تعاطيه الشأنَ الوطني العام من خارج الموقع النيابي، تاركاً المجالَ لنجلِه تيمور أن يشقّ طريقه ويكرّسَ زعامته في الحياة السياسية التي دخلها ويدخلها جيلٌ جديد يقاربه سِنّاً، بحيث يكون لتيمور حرّية حركة وموقف في التعاطي مع القضايا السياسية والوطنية ومع بعض العواصم الإقليمية والدولية، بعيداً من مواقف الوالد التي تلتقي مع هذه العاصمة وتتعارض مع تلك.