لا خوفَ على «داعش» في 2015، ولا على الرئيس بشّار الأسد، ولا على شيعة العراق ولا الأكراد. وإذا تعرَّض أيُّ طرف من هؤلاء، بمن فيهم «داعش» والأسد للخطر، فالأميركيون جاهزون للحماية فوراً. أليست هذه مهمَّتهم الجوية منذ أشهر؟

يبدو «الربيع العربي»، بعد خمس سنوات على إنطلاقته، مجرد أسطورة عبرت ببساط الريح. وما أن حطَّت الرحال في سوريا حتى إستيقظ الجميع من الأسطورة، ووقفوا على أرض الواقع: إنه ليس ربيعاً ولا عربياً!

فالعناوين الفضفاضة التي أُعطيت لـ»الربيع» عند إنطلاقته لم تكن مبنية على الوقائع والمعطيات الحقيقية. وشعوب المنطقة ما زالت بعيدة جداً من مستوى الوعي المطلوب ومفاهيم الحداثة والديموقراطية وحقوق الإنسان، بسبب إستبداد الأنظمة المزمن من جهة، وإستبداد الموروثات الدينية والإجتماعية من جهة أخرى.

والدليل هو أنّ الدول التي ضربتها عواصف «الربيع» تتأرجح بين خيارَين: إما الأنظمة وإما التيارات الإسلامية الجهادية. وحتى مصر، فإنها خرجت من نظام الرئيس حسني مبارك إلى حكم «الإخوان المسلمين»، ثمّ عادت إلى نظام رديف للنظام السابق، بدأت ملامحه تطلّ بتبرئة الرئيس حسني مبارك.

وأما سوريا فتتمزق بين الأسد و«داعش»، فيما العراق يتمزق بين النظام الموالي لإيران و«داعش». وكلاهما وريث للبعث: إيران ورثت منه «النظام»، و«داعش» ورثت منه الهيكلية العسكرية والقبلية.

ويتبيَّن أنّ «تهمة» الديموقراطية والحداثة وحقوق الإنسان التي أُلصِقت بالحراك «الربيعي»، خصوصاً في السنوات الأولى، كانت ناتجة عن تقاطع بين فريقين:

1- الجهات الإقليمية والدولية التي تريد تسويق هذا الحراك، وصولاً إلى ما وصل إليه اليوم، وهي التي إفتعلته على الأرجح.

2- القوى الديموقراطية والعلمانية الحقيقية في دول «الربيع العربي»، والتي وجدت فرصة تاريخية لتحقيق الأهداف، بعد كَبَتٍ لعشرات السنين. وتبيّن أنّ هذه القوى هي الأضعف في نزاع الأجهزة والإسلاميين، وهي التي أُصيبت بإنتكاسة جديدة بعد طول إنتظار.

اليوم، يمكن النظر إلى عمق ما وصل إليه «الربيع» في وضوح أكبر. وقد اقتنع بهذه الصورة غلاة المراهنين على هذا «الربيع». فالنزاع بين الأنظمة والإسلاميين أو الجهاديين قاد الشرق الأوسط إلى حروب أهلية لا أفقَ لها. وهو أسقط حدود الدول السابقة مع مرور 100 عام على نشوئها وفق سايكس- بيكو. وبدأ رسم الخرائط الجديدة من العراق وسوريا. وعندما يهتزُّ حجر من الدومينو الشرق أوسطي ستهتزُّ حجارة أخرى أو تقع.

وثمّة إقتناع بأنّ القوة الشرق أوسطية المهيّأة لإستثمار النتائج هي إسرائيل. ولذلك، يطرح كثيرون، بناءً على المعطيات الواقعية لا حبّاً بـ»نظرية المؤامرة»: ما هو دور إسرائيل في تطورات «الربيع العربي»؟

ففي ظلّ «الربيع»، تمكنت إسرائيل من حسم حروبها مع العرب. ومنذ خمس سنوات، ينشغل هؤلاء بأنفسهم ويخطط بعضهم للإنتصار على بعض لا على إسرائيل، ولرمي بعضهم في البحر لا رمي إسرائيل. وعلى العكس، ظهرت ملامح مهادَنة أو تعاون بين بعضهم وإسرائيل، ضدّ البعض الآخر، فيما إسرائيل تبدو الأكثر إرتياحاً منذ نشوئها.

والمكسب الأهم الذي حصدته إسرائيل في السنوات الأخيرة هو إنهاء حقّ الشعب الفلسطيني في العودة إلى دياره. وعلى رغم الوعي الذي تتميَّز به القوى الفلسطينية الأساسية، لعدم الوقوع في فخِّ النزاع الداخلي، فإنّ المفاوض الفلسطيني ازداد ضعفاً بسبب الواقع العربي الرديء. وقبل أشهر، إستفردت إسرائيل بغزة وأذاقتها مرارة نوع جديد من المعاناة، وسط صمت عربي كامل.

وعلى الأرجح ستكون خطوات إسرائيل المقبلة الإفادة من الإنهيار العربي الشامل لتكريس الطموح القديم إلى يهودية الدولة، وإفراغ الأرض العربية التي تحتلّها إسرائيل اليوم من سكانها العرب، ودفع هؤلاء إلى الضفة الشرقية ليكون هناك «وطنهم البديل» وفق مشروع بن غوريون. وهذا الأمر
يقتضي إستهلاكَ مزيدٍ من الوقت والجهد والدماء العربية وإنهيار مزيد من دول المشرق العربي.

لذلك، في سنة 2015، ستواصل إسرائيل إنضاج الثمار التي أزهرت في «الربيع العربي»، وكلها ثمار دموية. وعلى الشرق الأوسط أن ينتظر إستمرارَ الحرائق سنوات وسنوات، فلا شيء ينضج «على البارد».