بين يديّ كتاب "مسيرة الانخراط في الحرب السورية" الصادر قبل ايام للصديق الدكتور انطوان حداد. بالطبع هي مسيرة جرّ لبنان الى هذه الحرب الاهلية الإقليمية المحلية الدولية الكبيرة، وللأسف تمّ ذلك بإرادة ذاتية حينا او بفعل التطورات السياسية والاجتماعية التي كشفت هشاشة الدولة اللبنانية في وطننا وضعف الاجماعات الوطنية، وكشفت الى ايّ مدىً هو سهلٌ الاستثمار في الجهل الوطني اللبناني الذي لا ندّعي البراءة منه. 
وبالتأكيد لا ينطوي القول هذا، على رغبة جامحة للاستعلاء على امثالنا من المواطنين اللبنانيين مهما كان انتماؤهم الديني او كانت ميولهم السياسية. بل هي محاولة ابتدائية لاستنهاض لبنانيتنا. تلك التي نعتقد انّها الجوهرة الكامنة في عمق كل لبناني، مهما استفحلت عواصف المذهبية والطائفية، ومهما تراكم من غبار واتربة حالت بيننا وبين بريق هذا الجوهر.. مهما طالها من مخلفات العصبيات والحروب والانتهاكات، فحسْبُنا أنّها لا تفقد قيمتها ولا وجودها.
هو ليس كلاما شاعريا، وان كانت الافكار الجميلة لا تكون جميلة ان لم تكن ممسوسة بالشعر، حتّى في العلوم التي نظنّها بعيدة عن الفنون والادب والشعر. 
لبنانيتنا هي شرط حياتنا، بما تعني الحياة من عيش وتحدّ لانتمائنا الانساني، وتنظيم للعيش في ما بيننا كمواطنين ومجموعات ضمن شروط المساواة في الحقوق والواجبات والحق في الحياة، وتوفير فرص الحياة الكريمة. 
وقبل ذلك كلّه ولنيل الغاية التي نريدها، لا يطلع الثمر ان لم نحسن الحراثة وإذا لم نزرعِ البذارَ بحرفةٍ ونسقيها بحبّ. 
والحال هذه فإنّ شرطَ لبنانيتنا هو الحريةُ وشرطَ الحرية هذه هو لبنانيتُنا.
فليست حرية تلك التي تجعل من الوطن او الدولة تفصيلا او هامشا على متن الخصوصيات الفردية او الجماعية.
لم اخرج من سيرة الكتاب ولا عن مقاصد الكاتب الذي قلت انه صديق، الصداقةُ بما هي علاقة وثيقة بين اثنين، مستندة الى معرفة وانكشاف طوعي بينهما، ومن تقاطع وتطابق احيانا في النظرة الى الاشياء وكنهها، كلُّ ذلك وغيره يفرض نفسه عليّ حين قراءة الكتاب، ليس فرضاً ثقيلاً وكابحاً للعقل، بل محفزاً لاكتشافات جديدة ولمعرفة لم تتوافر لديّ رغم دفق الافكار والكتابات والاحاديث التي طالما كان ولا يزال صديقنا وكاتبنا اليوم مجلّيًا في فضاءاتها. 
أدّعي القول ان الكثير مما تضمنه هذا الكتاب من قراءات تحليلية للاحداث كنا في "تجمع لبنان المدني" قد شاركناه في نقاشها او المساهمة في بعض خلاصاتها، لكنّ ذلك لا يعني انّ هذا النص – الكتاب هو ليس انطوان حداد، بل هنا تكمن براعةُ الكاتب ودأبُه وعقلُه الوقّاد، هي براعة قراءة الاحداث بمتابعتها وتحليلها في معزل عن الميول والاهواء ولو كانت شريفة. 
خصوصية كتاب انطوان حداد، ليست في الرصد والمتابعة من دون استفاضة في التفاصيل او اليوميات، ولا في الموضوعية التي يتناول فيها الحدث، ولا في النزعة النقدية المستفزة للعقل لا للعصب، ولا في الاضاءة على الاخطار التي نعيشها المحدقة بلبنان وتداعياتها بلا تفجع. 
ليست خصوصية "مسيرة الانخراط في الحرب السورية" هنا فحسب، بل هي في ان هذه المنهجية اتّبعها من دون اخلال بشروط الموضوعية في عرض الاحداث وتحليلها، والاهمّ انّ الكاتب قدّم لنا كتابا منحازا، ليس حياديا، بل هو كتابٌ مسكونٌ بقضية، من دون ان يثقل على القارئ بالشعارات او الكلمات الرنانة والعناوين الايديولوجية. 
قضية انطوان حداد بين سطور الكتاب لا في العناوين، ثمة خيط خفي يربط خاتمة الكتاب بمقدمته، هو خيط اللبنانية ولا اقول هو خيطٌ لبنانيٌّ، هو خيطُ اللبنانية الذي حاك به نصوص الكتاب دون ان يظهر الى العيان، لكنه موجود وبه تتماسك نصوص الكتاب وافكاره، هو كتاب منحاز الى لبنان الوطن والدولة، الدولة بما هي منطلق لاي مسار تحليلي للاحداث، منها يبدأ لينتهي اليها. 
والكتاب هذا، ليس ذخيرة حزبية او جبهوية. لكنّ مبضع النقد كما لم يوفر اولئك الذين غرقوا في الوحول السورية واستجلبوا نارها الى بلادنا، لم يوفر ايضا اولئك الذين جلسوا على ضفة النهر ينتظرون جثة عدوّهم، ولا اخلّ الكتاب في نقد الذين لم يكونوا على مستوى القضية اللبنانية التي رفعوا شعارها وما برعوا بالدفاع عنها.
انطوان حداد 
حسناً فعلت بإهداء الكتاب الى نسيب لحود، 
لا اريد ان أقول: ما احوجنا لأمثاله اليوم، 
فالراحلون امثاله يزدادون حضوراً بل يتضاعف حضورهم كلما سافروا وابتعدوا في الزمن... 
(القيت مساء امس في ندوة حول كتاب "مسيرة الانخراط في الحرب السورية" للدكتور انطوان حداد شارك فيها الاستاذ طارق متري والاستاذ سمير فرنجية وقدمت لها وادارتها الزميلة رلى كسّاب حداد في معرض بيروت الدولي للكتاب)