يشارك وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس بتكليف من الحكومة في مؤتمر جنيف، الذي يعقد اليوم بدعوة من «المفوضية العليا لشؤون اللاجئين» لمناقشة موضوع إعادة توطين مجموعة من النازحين السوريين في دول ثالثة وغيرها من أشكال القبول الإنساني لهم.
أعلن «برنامج الأغذية العالمي»، منذ نحو أسبوع، وقف تقديماته إلى النازحين السوريين، ما يعني بقاء نحو مليون و700 ألف منهم من دون طعام. وقد عللّ البرنامج الخطوة بعدم وجود تمويل، ما يطرح مخاوف وتساؤلات لدى النازحين أنفسهم، ولدى الدول المضيفة لهم. كيف يمكن للبرنامج أن يوقف تقديماته فجأة من دون سابق إنذار؟ ألم تكن بوادر شحّ التمويل ماثلة أمامه؟ ما المقصود بهذه الخطوة وهل من مخطط دولي في شأن السوريين يهددهم بغذائهم فيضعهم أمام الأمر الواقع بقرارات تجبرهم على المفاضلة بين الهوية والتقديمات الإنسانية؟ لماذا لم تفِ الدول المانحة بوعودها، وكيف ستصمد المجتمعات المضيفة، ولا سيما الفقيرة منها، أمام التحديات المتأتية عن مثل هذا التقاعس؟
يقارب عمر الأزمة السورية أربع سنوات، ولم تعمد أي جهة الى إيجاد الحلول للاستنزاف الحاصل سواء داخل سوريا أم في الدول المحيطة التي لجأ إليها السوريون. ولا يخفى على أحد أن النازحين السوريين أينما حلّوا فهم يعيشون في ظلّ تهديد مستمر ويومي بلقمة العيش سواء أكانوا يعملون أم لا، سواء أكانت المساعدات تصل إليهم أم لا، وما البرهان الا قرار برنامج الأغذية الأخير.
بعد أربع سنوات ما من حلول مطروحة وما من خطة عمل شاملة، والرعاية محصورة بالمفوضية. حتى الأطفال الذين يجولون في الشوارع للتسوّل هم من مسؤوليتها، قال درباس في معرض سؤاله عن دور الدولة في حمايتهم.
في خلاصة التجربة، هناك نازحون يجوعون ودول مضيفة تقفل حدودها من دون أن يكون لها رؤية واضحة لإدارة ملف من تستضيفهم. وهناك مجتمع دولي يتناسى وعوده، ومنظمات دولية مسؤولة مكبّلة بسبب التمويل، وجمعيات أهلية تنمو كالفطر لاهثة لتأدية دور في الإغاثة وفق ما تراه إداراتها وليس وفق الحاجات.
أمام هذا الواقع تُنظّم المفوضية مؤتمر جنيف للبحث في مدى استجابة الدول الأجنبية لخطتها في إعادة توطين عدد من اللاجئين من السوريين (قد يتضمّنون فلسطينيين، عراقيين، أكراداً وغيرهم)، على أساس إغاثتهم في مجتمعات آمنة وسليمة لعائلاتهم. ستطرح «منظمة أوكسفام» خلاله، بالتعاون مع أكثر من ثلاثين منظمة دولية مثل «منظمة العفو الدولية» و»المجلس البريطاني للاجئين» و«المجلس الدنماركي للاجئين» و«الشبكة الأوروبية - المتوسطية لحقوق الإنسان»، ومحلية مثل «أبعاد» و«روّاد» و«عامل»، خطة لإعادة توطين 5 في المئة على الأقل من النازحين السوريين في بلدان ثالثة، أي نحو 180 ألفاً من أصل أكثر من 3.2 ملايين نازح.
خطة «أوكسفام»
تعتبر «أوكسفام» أن حرب سوريا نتج منها أكبر أزمة نزوح عرفتها الشعوب منذ الحرب العالمية الثانية، والعنف فيها ما زال يتفاقم ويتضاعف. وقد أقفلت البلدان المجاورة حدودها في وجه النازحين منها، ما جعل عملية النزوح تنخفض بنسبة 88 في المئة بالمقارنة مع أرقام العام 2013، وفق المفوضية، ما يشير صراحة إلى أن أعداد الأفراد العالقين في سوريا وسط ظروف قاسية تهدد أمنهم كبيرة جداً.
وإذ دانت المفوضية عملية إقفال الحدود، إلا ان البلدان المعنية عبّرت عن عدم تمكنها من تحمل تدفق المزيد من النازحين إلى أراضيها. وفي أحد المؤتمرات ذكر درباس أن البنى التحتية اللبنانية المصممة للاستخدام لمدة عشر سنوات، لم تخدم لأكثر من سنتين.
توضح «أوكسفام» أن إعادة التــــــوطين تعني إعادة التمركز، أي إتاحة فـــــــرص للنازحين من سوريا إلى بلدان الجوار والانتقال إلى مجتمعات أفضل لتمضـــــية فترة نزوحهم (أي بلدان ثالثة)، حيث يقدم لهم مســـــــتوى معيشي أفضل. وتؤكد أن إعـــــــادة التمركز هي اختــــــيارية لكل فرد من الأفراد، إذ يمكنه القبول أو الرفض.
وتقترح «أوكسفام» أن يتم انتقال 5 في المئة من النازحين من سوريا إلى تلك البلدان حتى نهاية العام 2015. وهو عدد قليل بالمقارنة مع الأعداد التي تتحملها دول الجوار، لكنها تعتبر أنه عدد يسهل على الدول الجديدة إتمام التحضيرات لاستقباله في غضون السنة. وهي ترشح لانتقال النازحين المعرضين للخطر والذين تعرضوا للعنف والتعذيب، أو النساء المسؤولات عن عائلاتهن والأطفال المتروكين... من دون الالتفات إلى دينهم أو عرقهم... لتستثني مرتكبي جرائم الحرب والجرائم الجنائية غير السياسية.
وتطالب «أوكسفام» والمنظمات الشريكة بوقف تدفق السلاح إلى سوريا أولاً، وزيادة المساعدات للنازحين ثانياً وضمان إعادة توطينهم ثالثاً.
خلال مؤتمر خاص بالنازحين عقد في لبنان منذ أيام أوضح وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس أن الحكومة اللبنانية ترفض إعادة توطين النازحين من سوريا في دول ثالثة ولو أن ذلك يعني إعادة تمركزهم. وعلّل الأسباب بأن كلفة إعادة توطين النازحين أضعاف كلفة إعادتهم إلى سوريا، وأن المخطط يعني أن لا أفق لحلّ الأزمة السورية. ونبّه من خطورة اختيار النخب فيجرّد المجتمع السوري من مهندسيه ومحاميه ومدرسيه... أو تشجيع المسيحيين على الهجرة. ولفت إلى أن ما ذكره سيكون محور كلمته في مؤتمر جنيف اليوم.
بينما تؤكد «أوكسفام» أن خطتها والمنظمات الشريكة حول إعادة التوطين من شأنها تخفيف الأعباء على الدول المضيفة، لا سيما لبنان.
فهل يمكن أن تنجح الخطة في ظل مجتمع مضيف رافض ودول ثالثة متلكئة؟ وهل يمكن لرهان المنظمات الدولية على دول جديدة مانحة كالبرازيل أن يأتي ثماره؟ إذا كانت توصيات المؤتمر ستحمل كل الأجوبة، فإن آفاق الحلول تبدو بعيدة عن فكر أوطان تغضّ الطرف عن التزاماتها الإنسانية.
 

معاهدة اللجوء
من غير المعروف بعد ما سينتج من مؤتمر اليوم في جنيف، ففي حين تعوّل المفوضية و«أوكسفام» وغيرهما من المنظمات على توقيع عدد من الدول على معاهدة اللجوء (1951) التي تلزمهم توفير الحماية للأشخاص المهددين أمنياً، أعربت ألمانيا من خلال سفيرها في لبنان كريستيان كلاجس أن بلاده لا تتوقع المعجزات من مؤتمر جنيف. بينما تشير مصادر إلى أن بريطانيا ستتغيب عن المؤتمر، علماً بأن الدول الغربية استضافت ما يوازي 2 في المئة من أعداد النازحين منذ بدء الأزمة.

شرطان
تشترط خطة «أوكسفام» أمرين أساسيين: أن يكون الأفراد المنوي إعادة توطينهم هم الأكثر فقراً أو الأكثر حاجة إلى العيش في مجتمعات ثالثة. وأن تتم عملية ترشيح الأسماء من جانب «المفوضية العليا للاجئين»، كي لا يفسح في المجال أمام الدول المستضيفة الجديدة (أي الثالثة) الاختيار وفق أجندات سياسية خاصة بها.