المكون المسيحي مكون أساسي ومحوري من مكونات هذا الشرق، وأي تهديد لهذا المكون هو تهديد للهوية الحضارية المشرقية، ويتعين التصدي لذلك بكل الإمكانات المتاحة،لأن الارض «تفسد بدون ملح» كذلك، محاولة المساس بأحد المكونات الحضارية الأساسية لهذا الشرق هو استهداف إلغائي ممنهج، يتعين على جميع الشركاء التصدي له، من أجل حماية المستقبل، ومن أجل الإبقاء على غنى التنوع، الذي بدونه، جاهلية وبداوة وصحار قاحلة.

تشير مصادر ديبلوماسية الى إزدياد عدد المؤتمرات الطائفية التي تعقد بدعوة من بعض المؤسسات أو الشخصيات ذات الحضور السياسي في دول فاعلة إقليميا، تحت عناوين متعددة، من بينها مناقشة التحديات «المصيرية» التي تواجه «الأقليات» في العالم العربي، مع صعود نجم الحركات التكفيرية التي تستعدي كل من لا يوالي امرائها، وتحكم بكفر كل من لا يدين بأيديولوجيتها.

من مدريد إلى إسطنبول وصولا إلى عمان، تتوالى المؤتمرات المتنقلة بعيدا عن الإعلام، أو بتغطية شحيحة، إلا أن بعض التسريبات التي لا بد منها، أو التغذية الراجعة من المشاركين، تتيح فهم المساق الفكري لمنظميها على حدّ قول المصادر، أو تشي بتوجهات دولية ما لإستطلاع آراء النخب السياسية والفكرية في الملفات المطروحة، لأنه من المعلوم أن إشكالية التمويل لهكذا مؤتمرات تحضر خصوصا مع توجه المنظمين لدعوة المشاركين من مختلف الدول.

وكالعادة، ففي حين لا يعدو كون بعض المؤتمرات مناسبة للراحة والإستجمام في الفنادق الفخمة، إلا أن بعضها قد يثمر إعادة تأكيد مبادىء وأولويات أساسية، وإنتاج فكري أو أكاديمي.

أحد المؤتمرات الفعالة كما صرح مصدر مشارك عقد في عمان الأردنية، بحضور حوالى ثمانين شخصية مسيحية، من ست دول، هي لبنان وسوريا والعراق والأردن وفسطين ومصر. وخرج بوثيقة عمل من إثنتي عشرة نقطة، استطاعت «الديار» الحصول عليـها، أما العنوان، فقد اصطلح المشاركون على تسمية الوثيقة «إعلان عـمان... خريطـة طريق لمستقبل أفضل لمسيحيي البلدان العربية». 

انتقد الإعلان فشل الدولة الوطنية العربية في بناء «دولة المواطنة المتساوية» المدنيةالديمقراطية التعددية، التي أثمرت برأي المصدر خلق مناخات من التمييز ضد شرائح أساسية من المواطنين والمكونات، مستذكرا معاناة المسيحيين من هذا التمييز، على المستوى الدستوري والقانوني، والمشاركة والتمثيل السياسي، كما في موضوع الحريات الدينية

ورفض المؤتمرون تصوير المسيحيين على أنهم عنصر سلبي في حركة التغيير والإصلاح، أو ظهير خلفي للإستبداد، مشددين على أن «المسيحيين كانوا على الدوام، دعاة نهضة وتنوير، ومناصرين أشداء للوحدة الوطنية في دولهم ومجتمعاتهم». 

وأعاد المجتمعون التأكيد على أن «لا حل مسيحياً لمشكلات المسيحيين»، بل يتمثل الحل في انخراط المسيحيين في النضال السلمي من أجل بناء الدولة الحديثة، المدنية-الديمقراطية، التي تكفل وتضمن منظومة الحقوق والحريات الفردية والجماعية لمختلف مواطنيها ومكوناتها.

وتوقفت الوثيقة بحسب المصدر المشارك عند إنخفاض منسوب التسامح الديني « في ظل انتشار قراءات متطرفة وشاذة لتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وتفشي مظاهر الإقصاء والتكفير وعدم الاحترام للآخر والتطاول على حقوقه ومحاولة منعه من ممارسة هذه الحقوق»، متهمة حكومات بعض الدول بعدم إتخاذ ما يكفي من الإجراءات لمجابهة هذه الظواهر، وبعضها بتشجيعٍ هذه المظاهر.

ودعا المؤتمرون للتمييز بين حركات الإسلام السياسي، وعدم وضعها جميعاً في سلة واحدة، ففي حين «يجب محاربة وعزل التيارات التكفيرية والإلغائية، يجب دعوة الحركات الأكثر اعتدالاً إلى تبني خطاب واضح حيال المكون المسيحي في المنطقة، والابتعاد عن اللغة الضبابية والمراوغة عن الحديث عن حقوقهم وحرياتهم ومشاركتهم وتمثيله».

كما تم التشديد على حدّ قول المصدر، على رفض التعاطي مع المكون المسيحي على أنه «أقليات» ثانوية، أو «جاليات» وافدة، أو «أهل ذمة»، بل التركيز على المواطنة الفاعلة والمتساوية، غير القابلة للمقايضة أو المساومة أو القسمة أو الانتقاص، مع الرفض التام للتعامل مع مسيحيي المنطقة، كـ «جيوب» للدول الغربية، واستذكار المفكرين والقادة المسيحيين الرياديين في حركات التحرر والاستقلال عن الاستعمار، والنهضة والتنوير.

كما لاحظ المؤتمرون تبايناً في دساتير الدول لجهة اعترافها وكفالتها لحقوق المسيحيين وحرياتهم، داعين إلى «دسترة» و«قوننة» مفهوم للمواطنة الفاعلة والمتساوية

وبالمقابل، دعا المؤتمرون إلى احترام التنوع داخل الكنائس المسيحية، دون أن ينفي ذلك أهمية بناء «توافقات الحد الأدنى» لمختلف التيارات والمدارس المسيحية العربية والمشرقية. كما شددوا على ضرورة ردم «الفجوة» القائمة بين الكنيسة ورعيتها، داعين الرعاة إلى «الاقتراب أكثر من الهموم والمشكلات التي تواجه أبناء الكنيسة، وتشجيعهم على الانخراط الفاعل في العمل الوطني العام»، رافضين تنامي «اتجاهات متطرفة وانعزالية»، أو الوقوع في دائرة «الفعل وردة الفعل»، أو الرد على التطرف بتطرف مقابل. ومعيدين التذكير أن «لا حل مسيحياً لمشكلة المسيحيين».

واختتمت الوثيقة بالطلب من المجتمع الدولي تقديم العون للاجئين من سوريا والعراق، من دون إغفال أن تثبيت المسيحيين في أوطانهم الأصلية هي الأولوية القصوى.

وتوجه المؤتمرون برسالتين، الأولى إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية، من أجل «إدراج قضية المسيحيين العرب على جدول أعمال القمة العربية القادمة المقرر عقدها في القاهرة في آذار المقبل»، وأخرى إلى الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، لحثه «على إيلاء هذا الموضوع الاهتمام الذي يستحق، وقيامه بدوره بإدراج هذه القضية على جدول أعمال المنظمة».

واكد المصدر ان المكون المسيحي مكون أساسي ومحوري من مكونات هذا الشرق، وأي تهديد لهذا المكون هو تهديد للهوية الحضارية المشرقية، ويتعين التصدي لذلك بكل الإمكانات المتاحة،لأن الارض «تفسد بدون ملح» كذلك، محاولة المساس بأحد المكونات الحضارية الأساسية لهذا الشرق هو استهداف إلغائي ممنهج، يتعين على جميع الشركاء التصدي له، من أجل حماية المستقبل، ومن أجل الإبقاء على غنى التنوع، الذي بدونه، جاهلية وبداوة وصحار قاحلة.

غسان بودياب