شاهدنا وعايشنا الحرب الأهلية في لبنان بين اليمين اللبناني من أركان الجبهة اللبنانية ويساريه من أركان الحركة الوطنية وسط حضور قوي للطبقة السياسية التقليدية على اختلاف مللها ونحلها ووجود مؤثر وفاعل للمقاومة الفلسطينية . وكتب الكثيرون عنها وعن أسبابها وعن مواقف زعمائها والهوّة الفاصلة بين اتجاهات لم تستطع ابرام تسوية على حساب المواقف الجذرية من النظام السياسي ومن الخصومة في الدور والموقع للكيان اللبناني في النأي بالنفس أو الانخراط المباشر في المعركة المفتوحة لتصحيح المسارات السياسية للدول العربية ولاسترداد الأراضي الفلسطينية من المحتل الاسرائيلي .

لم نشهد يوماً انقلاباً سريعاً من قبل القيادات المسيطرة آنذاك على الحياة السياسية فلا الجبهة اللبنانيّة غازلت الحركة الوطنية ولا هي بدورها أقامت شهر عسل مع الجبهة بقيّ الاختلاف قائماً ولم يدفع أحد من روّاد العمل الوطني الى ملاقاة الآخر وسط الطريق لأن منطق التقاطعات غير متوفر بين اللبنانيين المختلفين على لبنان من الهوية الى الدور والموقع والوظيفة حتى أن الزعامة التقليدية لم تدخل في بازار مع أحد ايماناً منهم بصحة مواقفهم من الحرب ومن السلطة ومن النظام السياسي .

منذ طائف ومع بروز تيّارات محسوبة ومدعومة من نظام الوصاية خضع الجميع لسلطة الأمن السوري في ظل معارضة مسيحية بعضها حاول التصالح مع سورية وبعضها اعتكف في السجن دون تقديم تنازلات تًذكر للنظام السوري الممسك برقبة الدولة في لبنان .

مع اغتيال الرئيس رفيق الحريري وانسحاب سورية من لبنان بدأ اللبنانيون الحزبيون الجُدد يتخبطون في علاقاتهم المضطربة داخل براكين حقيقية كان أولها الانفجار الذي أودى بحياة الحريري ومعه بحياة اللبنانيين جميعاً جرّاء الانقسام السياسي ذات المضامين والأبعاد الطائفية والمذهبية وجاءت الحرب في سورية لتُسخّن من حرارة الاحتقان المذهبي ومن حدّة الانقسام السياسي مع مرحلة دموية رافقت الانقسام السياسي بدءًا من 7أيار المجيد ووصولاً الى ما جرى في صيدا والشمال وما يجري في عرسال .

لقد سمعنا طيلة الانقسام السياسي ومن قيادات 8 و14 آذار شتماً وقذفاً بالعمالة ورجماً وقطعاً للأرجل والأيادي وقال حزب الله ما عنده بحق تيّار المستقبل وقال المستقبل ما عنده بحق حزب الله وكذلك فعل التيّار الوطني الحرّ والقوّات اللبنانيّة والحزب التقدمي الاشتراكي ومن في فلك الجهتين من شخصيّات وأحزاب . وبعد التهم المتعددة الأشكال والاعلان المباشر من قبل جهابذة الخطابة في الفريقين بعمالة أحدهم للعدو والآخر للأجنبي جلس الفريقان في الدوحة وبرعاية قطرية تركية ومن ثمّ احتشدوا في القصر الجمهوري للنظر في الاستراتيجية الدفاعية ومن ثمّ وقع الجميع فيما بعد اتفاق بعبدا وتشكلت حكومات مصالحة وشراكة ومناصفة وأكثرية ضامنة وواحدة ذات لون واحد في ظلّ خلل أمني واضح وأوضاع اقتصادية متردية ومحاصرة سياسية لسيطرة طائفية في الداخل اللبناني ومحاصرة اقليمية دولية للطائفة المحاصرة من خلال المحكمة الدولية وضرب النظام في سورية وبروز تيارات متطرفة هزّات أمن حزب الله بفعل الانتحاريين من جهة وبفعل نفوذهم داخل الساحة السنية من جهة ثانية .

ورغم حجم الخلاف بين حزب الله والمستقبل أستطاع الأعداء التوصل الى تسويات لم تصمد طويلاً وأدّت  في أحيان كثيرة الى الطلاق الخلعي بينهما وآخر التسويات بين الطرفين كانت حكومة الرئيس تمام سلام تلبية لحسابات سياسية يحتاجها الطرفان لمواجهة مرحلة غير ايجابية بالنسبة لهما .

الآن وبعد ما حصل وأمام ما ذكرنا وما لم نذكر يعلن حزب الله عن ملاقاة تيار المستقبل ويعلن المستقبل عن ضرورة الحوار مع حزب الله والعجيب أن أحداً منهما لا يستحي تكفير وتوهين وتخوين واتهام بالقتل وبالدويلة المصادرة للدولة وشحن طائفي ومذهبي علا سعاره في كل بيت وبعد ذلك وفي لحظة يحتاجها الطرفان يصبح المستقبل تيّار وطني وازن معتدل مساهم في وضع حدّ للفتنة المذهبية ويصبح حزب الله بطل في الداخل والخارج وضرورة من ضروريات قيام الدولة .

رحم الله كميل شمعون وبيار الجميل وكمال جنبلاط ورشيد كرامي وكامل الأسعد وصائب سلام وجورج حاوي وآخرين من روّاد العمل السياسي في لبنان من الذين لم يصنعوا عدواً ومن ثم صالحوه  وكانوا مختلفين الى الحد الذي ذهبوا فيه مذاهب شتى ولكنهم لم يتراجعوا قيد أنملة عن شيء قالوه بحق بعضهم البعض ولم يؤمنوا بمنطق التسويات السخيفة ولم يوقظوا جمهورهم على موقف مخالف للموقف الذي أغفلوهم عليه .

هذا الجيل الجديد من قيادات الصدفة لا تعرف ماذا يريد فيوم يرعد ويقصف ويوم يهادن وفي ساعة من الساعات يكون سعد الحريري ولداً وفي ساعة أخرى قائد مثالث وفي ساعة من الساعات حزب الله أساس خراب لبنان والمستقبل جماعة موظفة عند سيدهم الأميركي والسعودي وكذلك الحال بالنسبة لحزب الله الايراني والسوري .

نحن لسنا ضدّ الحوار اذا كان حواراً وليس شمّاعة لمصالح دفعت الطرفين الى طاولة لا يؤمن فيها المتحاورون لأن حساباتهم مختلفة جذريّاً ولكن المصيبة تجمع كما تقول الأمثال .

نتمنى بعد هذا الودّ المتجدد بين حزب الله وتيّار المستقبل أن لا يعود خطباء الفريقين الى اللغة التي استخدموها بحق بعضهم البعض لأن ذلك يُسقط كثيراً من معنويّات قيادات يفترض أن تكون منسجمة أفعالها مع أقوالها .