خلافاً لبعض التصوُّرات، تقترب الدولة من التلاحم مع «حزب الله». ومعركة بريتال خطوة إضافية للشراكة بينهما. وغداً، ستندلع معارك أخرى في الهرمل - القلمون، وسيدفع «الحزب» مزيداً من دم مقاتليه، عندئذٍ سيسأل: أنا والجيش نتحمَّل تبعات صدّ التكفيريين. وأنتم ماذا ستفعلون؟

لا يُخفي خصوم «الحزب» شكواهم من تعاطف الدولة معه. والردُّ على الشكوى، دائماً، هو الآتي: الحكومات التي قامت، بمباركة «14 آذار»، هي التي كرَّست ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة. فلِمَ الاستغراب؟

إنغمست الدولة إلى جانب «حزب الله» تدريجاً: عندما بدأ يتورَّط في سوريا، إلتزمَت غضَّ النظر. وعندما تعرّضت مناطقه لعمليات «داعش» الإنتحارية، استُدعيت إليها الدولة لحمايتها.

وفي عرسال، فتَح الجيش معركة مباشرة بالنار مع «داعش»، فيما «الحزب» فضَّل عدم إظهار أيّ دور له هناك، منعاً للاستغلال السياسي. أمّا اليوم، وفيما «الحزب» يخوض المواجهة العسكرية الأولى مع الإرهاب، ساندَه الجيش بالنار. وهكذا، بات «الحزب» والدولة في معركة واحدة، ولو اختلفَت الأولوية: في عرسال أولوية الجيش، وفي بريتال أولوية «الحزب».

ويصاب خصوم «حزب الله» بالإحراج. فالدولة هي التي تواجه «داعش». والدولة تمثِّل الجميع. واليوم، رئيس الحكومة ووزيرا الداخلية والعدل من تيار «المستقبل». وهؤلاء يخوضون المعركة ضدّ العدوّ المشترك للدولة و«الحزب».

سيقف «حزب الله» في المعركة المقبلة ويقول: أنا أتكبّد الخسائر عنكم في مواجهة الإرهابيين، «لئلّا يصلوا إلى جونيه» (على رغم نفي بكركي الكلامَ المنسوب إلى البطريرك). وعندما يخسر «الحزب» مقاتليه في مواجهةٍ على الأرض اللبنانية لا في سوريا، ضدّ العدوّ الواحد الذي يقاتله الجيش أيضاً، سيطالب الجميع بالاعتراف له بما يؤديه من واجب.

وسيقول لمسيحيّي «14 آذار»: هل تشمَتون فينا، ونحن ندافع عن الجميع، في قرى البقاع وجبل لبنان؟ وعليكم أن تسألوا أبناء القرى المسيحية البقاعية عن موقفهم مما يجري...

هذا ما سيحصل في المعارك المقبلة في جرود الهرمل. لكنّ ردَّ «14 آذار» وسائر خصوم «الحزب» سيتكرّر: «لولا تورّطكم في الحرب السورية لما جاء الدبّ الإرهابي إلى الكرم اللبناني. وأسهل الطرق لحماية لبنان هي انسحابكم من سوريا وتكليف «اليونيفيل» ضبط الحدود هناك». وسيردّ «الحزب»: «هل تصدّقون أنّ «داعش» ما كانت ستستهدف لبنان لو لم نتدخّل في الحرب ضدها، وهل تصدّقون أنّ «اليونيفيل» هي التي تحمي؟»

هذا السجال ممكن حصوله، إذا سمَح بسماعه دويّ المدافع. ولكن، على الأرجح، لن يكون هناك وقت له. فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة. وكما في تمّوز 2006، سيقول «الحزب»، ويوافقه الآخرون: «بعد الحرب نتفاهم ونتحاسب. الأولوية الآن هي لمواجهة العدوّ». والمشكلة هي أنّ سقوط مناطق لـ»الحزب» أمام الإرهابيّين السوريين يعني سقوط مناطق لبنانية في أيديهم.

وهذا يعني احتلال «داعش» لمناطق لبنانية. ولا يمكن لأيّ لبناني أن يقبل بذلك. أمّا المحاسبة فسيقول «الحزب» إنّها مسألة يجب أن تتمّ لاحقاً. ولكن لا يمكن «معاقبتنا» بترك مناطق لبنانية تسقط أمام جحافل سوريّة.

فالمعركة هناك حسّاسة جداً. والهجوم الذي تعرَّض له «الحزب» في جرود بريتال- يونين اضطرّه إلى استدعاء قوات إضافية في شكل طارئ. فقرابة 4 آلاف مهاجم، تمكّنوا من احتلال أحد أبرز مراكزه المتقدّمة. ولولا دعم الجيش والطيران السوري وطائرات التجسّس بلا طيار، لربّما خسر «الحزب» مناطق أخرى. فالجماعات التي تقاتله اليوم في لبنان باتت أقوى ممّا كانت يومَ قاتَلَها في القُصير.

ماذا سيكون موقف خصوم «حزب الله»، عندما يبدو حقيقياً أو إفتراضياً أنّ كلّ مقاتل يفقده في مواجهة الإرهاب، هو بمثابة شهيد في معركة يخوضها عن الجميع؟

إنّه خلطٌ جديد للأوراق اللبنانية... أو لما تبقّى منها!