«حَق من ألله ولادنا يعَيّدوا بالأسر؟». صرخةٌ مدوّية أطلقَها أهالي العسكريين المخطوفين على مَقربة من السراي. بُحَّت حناجرهم، جَفّت دموعهم، فجلست الأمّ تُحاكي صورة ابنِها، والزوجة تغمر صورةَ زوجها... «والله تِلفو أعصابنا، ما في إجرَين نوقف عليا». تزامُناً مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء أمس، اعتصمَ الأهالي أمام السراي الحكومي في رياض الصلح، قاطعين طريق شارع المصارف لدقائق معدودة.

في وقتٍ يواصل أهالي العسكريين المخطوفين اعتصامَهم عبر قطع طريق ضهر البيدر، توجَّه قسم منهم إلى أمام السراي الحكومي، رافعين الصوت عالياً، مطالبين بـ«إقرار المقايضة» و»التواصل الجدّي».

تجلس دارين شقيقة المخطوف ناهي بو قلفوني على الرصيف، تبحث في هاتفها عن خبرٍ عاجل يعكس أجواء الجلسة الوزارية، خبرٍ يروي غليلها، تستبشر منه خيراً، بأنّ الملف لن يذهب طيَّ النسيان. بنبرةٍ غاضبة تتحدّث لـ«الجمهورية»: «الأهالي «متل الأطرش بالزفّة»، فلو لم نتحرّك لمَا وجدنا من يُطمئننا عن أولادنا، هذا عوضَ أن تعلن الحكومة حال طوارئ منذ اليوم الأوّل على اختطاف أبنائها». وتضيف: «تركَ المعنيون أنفسَهم حتى اللحظة الأخيرة ليتصرّفوا على محمل الجدّ، من دون أن يبدوا حِرصهم على القضية».

تقاطِعُها هيفاء، زوجة الأسير ميمون جابر قائلة: «وكأنّ في إبقاء الإرهابيين في سجن رومية استتبَّ الأمن، وما عدنا نسمع ضربة كفّ، «ما يطلّعُوُن ويخَلّصونا بقا». وتضيف لـ«الجمهورية»: «أخشى أن يأتي العيد، ويطوي العام الجاري صفحتَه، ونحن في الطرُق والأزقّة، عائلات تشرَّدَت، أحلام تهدَّمت، حياة الأهالي بأسرهم معلّقة منذ يوم اختطاف أبنائهم».

من جهتها، تركت سليمة والدة الجندي المخطوف سيف ذبيان، مزرعة الشوف لتشارك وعائلتها في الاعتصام. على مضضٍ تتحدّث لـ«الجمهورية»: «خانتنا الكلمات، أُشبِعنا وعوداً، ما عدنا نعرف ما إذا كان إبنُنا بصحّة جيّدة، هل ينام؟ هل يأكل؟ مرّ أكثر من 60 يوماً ولا حلحلة في الموضوع، كم علينا أن نصبر؟».

أمّا سوسن زوجة سيف، فتستسلم لدموعها وهي تحاول تهدئة خاطر ولديها اللذين ما انفكّا يسألان: «وين البابا؟» ويقبّلان صورته. وتتحدّث سوسن لـ«الجمهورية» عن مرارة الحياة بعد خطف زوجها: «لم نكن نتصوَّر يوماً أن يأتي العيد ونحن في هذا الوضع المأسوي، ما عدنا نعرف أيام الأسبوع، ليلٌ مُضنٍ يخيّم على الاهالي، فمن أين لهم أن يتحلّوا بالصبر، لَوين آخدِينّا؟».

المفاوضات قطعَت أشواطاً

وسط غليان الشارع، وارتفاع حدّة غضب الأهالي، أطلّ وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور خلف الشِباك الشائكة التي تفصل بين الأهالي والسراي، موفَداً من رئيس الحكومة تمّام سلام، يرافقه رئيس الهيئة العليا للإغاثة اللواء محمد خير.

وقال أبو فاعور مطَمئناً: «القوى السياسية في الحكومة كلّها مُجمِعة على إيجاد حلّ لقضية العسكريين والجنود المخطوفين. وما نستطيع تأكيدَه من الرئيس سلام واللواء عبّاس ابراهيم، أنّ الأمور تتحرّك إيجاباً بشكل كبير، والانسداد السابق في أفق التفاوض أمرٌ تجاوزناه، إذ إنّ المفاوضات انطلقَت وقطعَت أشواطاً جيّدة جداً، ودخلت في مرحلة إيجابية كبيرة»، متوقّعاً «أن نشهد تطوّرات إيجابية». ودعا أبوفاعور، الأهالي، «إلى إطلاق يد سلام وابراهيم في إيجاد الحلّ، ونحن لنا ملء الثقة بأنّ هذا الأمر سيوصلنا إلى خاتمة سعيدة».

خطوات تصعيدية

من جهتهم، اعتبرَ الأهالي «أنّ الساعات تمرّ والأحداث تتسارع، والعمل واجبٌ ومُلِحّ، إذ لا يعود ينفع الندم»، مؤكّدين «إلتزامَهم المطلق قضية العسكريين المخطوفين ومعاناة أهلهم وكلّ الجهود والتحرّكات للإفراج عنهم».

وطالبوا في بيان بـ«التواصل الجدّي والفاعل مع أهالي المخطوفين لبلسمة جراحهم، حيث سيؤدي هذا التسويف وعدم الاهتمام الى سلبية لا تُحمَد عقباها»، معتذرين من المواطنين «عمّا قد يطالكم جرّاء الخطوات التصعيدية التي قد تشلّ البلد وتعوق حركته».

في وقتٍ يحرص الاهالي على رصّ صفوفهم قدر المستطاع، وتوحيد مطالبهم وتحرّكاتهم، منعاً لأيّ خَلل أو اختراق أو استحداث للفتنة في ما بينهم، لم تُخفِ مجموعة منهم نيّتها رفعَ سقف التصعيد بعد الأضحى، فقالت لـ«الجمهورية»: «بدأنا نلمس في قَطعِ الطرُق أذيةً لأهلنا ولمصالحهم، ونحن لا نتمنى السوء لأحد، لذا قد نتّجه بعد العيد إلى دعوة كلّ لبنانيّ متضامن مع قضيتنا للنزول إلى الشارع والمطالبة بإسقاط الحكومة».   ناتالي اقليموس