السجال الذي اندلع فجأة بين "جبهة النصرة" والأمن العام، ليس سوى رأس جبل الجليد في الصراع الخفي بين جهاز الأمن العام ومديره عباس إبراهيم، ومجموعات "القاعدة" في عرسال بفروعها (داعش، النصرة، كتائب عبد الله عزام). السبب ليس ما أسمته "جبهة النصرة" عبر بيانها على التويتر تسليم الأمن العام عشرة موقوفين من اللاجئين السوريين بقدر توجيه رسالة مبطنة إلى المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، وفق ما ورد حرفياً" هذا الأمر سيكون له انعكاساته على الأمن العام ومديره الخاضع لإرادة الحزب الإيراني".

 

اللهجة التهديدية بحق عباس لها مبرراتها، وفق رأي مصدر أمني مطلع، اما المستجد، والذي أثار غضبهم، فهو نجاح عباس ابراهيم في طرح ملامح تسوية متعلقة بقضية الجنود اللبنانيين في جرود عرسال، قد تضع هذه القضية الملتهبة على سكة الحل، ويفيد المصدر بأن اللواء ابراهيم نجح الى حد ما في اقناع الوسيطين التركي والقطري بحلول تتجاوز ما طرحه الخاطفون بمطالبهم وأبرزها مقايضة الرهائن بسجناء بتهمة الإرهاب في سجون رومية، بعد الرحلة المكوكية الأخيرة بين الدوحة واسطنبول قبل أن يستقر به الحال في السراي الحكومي عند الرئيس تمام سلام برفقة وزير الداخلية حيث وضعهما بأجواء مشجعة والتي تستوجب التكتم الشديد عليها خوفا من حرقها.

 

 

هذه المسودة، إن جاز التعبير، كما قالت مصادر مقربة من المدير العام للأمن العام عباس إبراهيم، أشعلت غضب المجموعات في جرود عرسال خصوصا وأن العوامل أصبحت ضاغطة، الأمر الذي دفعها لردة فعل تصعيدية، والتي يبدو أن لا سبيل أمامها سوى الرضوخ لمطلب أساسي طرحه الجانب اللبناني هو وقف عمليات قتل الجنود كشرط أساسي للشروع بعمليات تفاوض غير مباشر. أما تولي جبهة النصرة هذا الهجوم المباغت فهو، وفق نفس المصادر، لكون داعش قد فوضت الأمير أبو مالك التلّي إدارة هذا الملف والتفاوض مع الحكومة اللبنانية عبر الوسطاء وذلك لسببين: الأول متعلق بإمكانيات تمتلكها جبهة النصرة دون داعش الديبلوماسية عبر تركيا أو قطر أما الثاني فهو سهولة التواصل عبر الشيخ مصطفى الحجيري بخصوص المطالب المستعجلة.

 

عمليات التفاوض المعقدة ليست طارئة على ابراهيم المتصف بكونه رجل لطيف، ولكنه كعادة كل رجال الامن، يتكتم بشدة على خطواته، خصوصاً في مهمته الحالية لكونها شاقة للغاية ومختلفة كليا عن عمليتي التفاوض "مختطفي أعزاز" و"راهبات معلولا" لأنها تحمل حساسية داخلية خاصة.

 

الدور المتعاظم والمحوري لعباس إبراهيم لا يقيه المخاطر بما في ذلك رغبة أطراف عدة متصلة بمجموعات إرهابية عالمية من فروع القاعدة، في إطار الحرب المفتوحة بينهما بالتخلص منه واغتياله لأسباب وأهداف متعددة، كما كشفت مصادر أمنية رفيعة المستوى في لبنان، والتي أفادت "ليس من عبث رمي الإشاعات المتعلقة باستهداف موكب ابراهيم في طرابلس أو التكهن بالتخطيط لعمليات إغتيال تطاله".

 

المصادر الأمنية أماطت اللثام للمرة الاولى عن ملف محاولات إغتيال اللواء عباس ابراهيم والتي بلغت حتى الساعة 4 محاولات نجحت الجهود الأمنية بإفشالها، كما باعتقال عدد من المتورطين ضمن هذه الحرب الأمنية السرية، على ان الدافع الأساسي لعمليات اغتيال ابراهيم خارج محاولات النيل من هيبة الدولة الأمنية تتصل بحاجة كتائب عبد الله عزام او داعش وحتى جبهة النصرة، تسجيل هدف مركزي في الساحة اللبنانية هو استهداف رمز دولة لبناني ينتسب للطائفة الشيعية. فقد حددت هذه الجهات ثلاثة أهداف رئيسية: حزب الله - نبيه بري - عباس إبراهيم وإدراجهما على قائمة الأهداف في سبيل تسجيل نقطة لصالحها تؤدي إلى زعزعة كيان لبنان وإدخالها في دائرة التفجير كما سوريا والعراق. وقد اكتشفت بأن إستهداف قيادة حزب الله صعب المنال لاعتبارات لوجستية وبأن جلّ ما حققته في تفجير السيارات المفخخة سابقا لا يتعدى استهداف المدنيين فقط وقد نجحت خطة الحزب بالقضاء على منابع السيارات المفخخة في القلمون السورية. أما نبيه بري فقد استطاعت الجهود الأمنية المبذولة النجاح باكتشاف عمليات رصده وبالتالي حمايته عن طريق الحدّ من حركته ومكوثه الدائم في عين التينة، فلم يبق في الميدان سوى عباس ابراهيم مدير جهاز الامن الشيعي في لبنان لكونهم يعلمون بأنه غير قادر على التزام منزله على غرار بري كما أنه لا يملك مربعا أمنيا محصنا جغرافيا كما حزب الله وبالتالي إنصب كل التخطيط لعمليات الإغتيال باتجاهه.

 

 

المحاولة الاولى ، وفق المصادر الامنية، بدأت مطلع العام 2013 وتحديداً في كورنيش المزرعة عندما رصدت الأجهزة الأمنية نشاطاً غريباً لأحد مكاتب جمعية دينية هناك ولفت نظر ضباط الأمن المتابعين مصادفة شخصين يحاولان إلتقاط الصور على الرصيف في نفس الفترة الزمنية التي يمر بها موكب المدير العام للأمن العام على خط كورنيش المزرعة - المتحف حيث تم اعتقال هذين الشخصين وبالتحقيق معهما إعترفا بأن الشيخ سراج الدين زريقات كلفهما مراقبة مرور موكب إبراهيم ومحاولة تصوير مطلع الموكب إن أمكن. أما المفاجأة الكبيرة فكانت باعتراف الموقوفان بأن زريقات كان موجوداً طوال فترة الرصد بالمكتب المذكور بطريقة متخفية وقد استطاع الافلات منهم والهرب بعد اعتقال العنصرين. كما تلفت مصادر الأجهزة الأمنية لملاحظة أساسية بأنه رغم المدى الزمني والجغرافي الواحد لهذه العملية مع إكتشاف السيارة المفخخة التي كانت موجودة بنفس المكان، والتي أحبطتها بتاريخ 12 شباط 2014 واعتقلت الرأس المدبر نعيم عباس، إلا أن المجموعتين ليستا على تنسيق مباشر وعملهما كان منفصلاً تماماً علماً بأن التحقيقات مع نعيم عباس كشفت عن تنسيق مشترك بين عباس وزريقات إنما لأغراض وأهداف أخرى.

 

تابعت المصادر الأمنية بأن المحاولة الثانية هي بتفجير السيارة المفخخة في نقطة الجيش اللبناني بضهر البيدر في 20 حزيران 2014 خصوصا وأن المدى الزمني بين وصول موكب إبراهيم وإنفجار السيارة لا يتعدى 10 دقائق فقط وقد جرى التكتم الشديد حول تفاصيلها في حينه طالما أن الأجهزة الأمنية المعنية وجدت ثغرة أمنية أفضت إلى كشف تحركات موكب إبراهيم فحاولت سدها مباشرة والإستعاضة عنها بخطط تمويه معينة.

 

أما المحاولة الثالثة، وهي الأخطر على الإطلاق، فكانت قبيل وفاة والدة اللواء إبراهيم عندما رصدت الأجهزة الأمنية تحركات أربعة أشخاص استطاعوا رصد وتصوير منزل عائلة اللواء في قرية كوثرية السياد في الجنوب وكانت الخطة تقصي باستهدافه حين قيامه بزيارة أمه المريضة.

 

الخطورة في هذه المحاولة هي أن الأجهزة الأمنية اعتقلت الأشخاص الأربعة وهم يحملون الجنسية السورية استطاعوا التمويه بكونهم من النازحين السوريين وكانت لديهم قدرة فائقة على التخفي بحيث أفلتوا من عيون حزب الله والأجهزة الأمنية بعدما قدموا من الجولان ومن مدينة القنيطرة عن طريق شبعا وفي التحقيق معهم كشفوا بأنهم ينتسبون لتنظيم داعش وأميرهم أبو حسن الرملاوي ومهمتهم الأساسية رصد اللواء إبراهيم قدر الإمكان والتوسع بالتحقيقات وبالمعلومات تبين بأن الرملاوي يحمل خطورة كبيرة كونه يسعى لمد نفوذ عدد من المقاتلين باتجاه قرى شبعا والعرقوب فضلا عن ارتباطاته الأمنية التي تصل لاسرائيل وهذا ما أقلق الأجهزة الأمنية للغاية كون هذا التشابك الأمني والإمكانيات الإسرائيلية الهائلة قد تسمح بنجاح التجربة والنيل من حياة اللواء إبراهيم الأمر الذي دفع الى الإستنفار السياسي والأمني الشامل لأن الأمر لا يتعلق بحياة المدير العام للأمن العام بقدر ما يستهدف أسس السلم الأهلي اللبناني.

 

المصادر الأمنية تفرغ جعبتها من المعلومات في المحاولة الرابعة والتي حصلت مؤخرا وأسفرت عن القاء القبض على عنصر من شبكة كانت تخطط لاستهداف موكب اللواء عند خروجه من مبنى المديرية بشاحنة يقودها إنتحاري لصالح كتائب عبد الله عزام وتتكتم الاجهزة عن تفاصيل اخرى لهذه المحاولة نظرا لحساسيتها التي لا تقل خطورة عن المحاولة الثالثة.

 

المصادر الأمنية الرفيعة ختمت معلوماتها بالإشارة إلى أن التشابك الأمني بين عدة جهات في محاولات اغتيال إبراهيم بين كتائب عبد الله عزام أو "داعش" ومن ورائها استهداف إسرائيلي والصراع العلني الحالي مع جبهة النصرة يعد مؤشرا خطيرا على الساحة اللبنانية في لحظة مصيرية الأمر الذي يستدعي الحكمة الشديدة كما الحذر الأمني الشديد على كافة الأصعدة لأنّ الأمر لا يتعلق مطلقاً بانعكاسات الأحداث السورية بقدر النيل من السلم الأهلي في لبنان.

 

 

(Daily star)