بلدة عرسال ليست محاصرة من الجيش اللبناني كما قال قائده العماد جان قهوجي لمفتي الجمهورية اللبنانية الدكتور عبد اللطيف دريان. فأبناؤها يمارسون حريتهم فيها التي لا تقيِّدها الا الضرورات الأمنية الخطيرة. وطرقاتها الى محيطها مفتوحة على رغم وجود حواجز عسكرية فرضتها "غزوة" عرسال ووجوب التحسّب "لغزوات" أخرى.
والتقييد الوحيد الذي تمارسه الحواجز يستهدف التنقل بين البلدة وجرودها حيث يتمركز مسلحو "داعش" و"النصرة". وبهذا المعنى يمكن القول أن الجرود معزولة عن عرسال. أما أبناؤها الذين لديهم مصالح فيها فان أحداً لا يمنعهم من التوجه الى المنطقة المذكورة. لكن تلافياً لأن يفتح ذلك باب تواصل بين المسلحين وبيئتهم الحاضنة داخل مخيمات النازحين السوريين في البلدة ومع المؤيّدين لهم من أبنائها، فان حواجز الجيش تسجّل أسماء الذين يعبرونها يومياً، وتدقّق في حمولة سياراتهم وشاحناتهم، وتسمح لهم بنقل ما يحتاجون إليه ولا سيما المحروقات. لكنها تدقق في كميات ما يدخل إلى عرسال وفي نوعيته، لأن منع حصول "غزوة" ثانية أو تجنُّب فتنة مذهبية هو الهدف الأساسي للجيش بل للحكومة. وفي هذا المجال تكشف معلومات مصادر عليمة أن حواجز الجيش عثرت في احدى "شاحنات التموين على آلاف ربطات الخبز، واعتبرت أن وجهتها جرود البلدة والمسلحين فيها. وهذا أمر ممنوع، على رغم أن الحملات الدعائية تصوّر المنع تجويعاً لأبنائها. كما أنها عثرت على "كميونين" محمّلين فقط بالتمر. واعتبرت بعد مراجعة المسؤولين عنها أن أبناء عرسال غير المحرومين من المواد الغذائية لا يحتاجون الى الكمية المذكورة، واستنتجت أن وجهتها مسلحي جرود عرسال. انطلاقاً من ذلك، وتحسباً لأي عمل ارهابي قد يكون التحضير له جارياً بين بعض عرسال الداخل وعرسال الجرد، فان تعليمات قيادة الجيش إلى وحداته المتمركزة في منطقتها، وهي منبثقة من قرارات حكومية، تقضي ببذل كل ما يمكن لتلافي تكرار ما حصل في الغزوة الأولى، وإن تسبَّب ذلك ببعض "المضايقة" لأبناء البلدة أو للنازحين السوريين إليها. ولا عودة عن ذلك على رغم المواقف التي يشي مضمونها، وإن بضبابية، بالانحياز إلى أحد الفريقين الداخليين المتعاديين، وباستمرار العطف على من يقاتلون النظام وكل الناس أو على الذين يدافعون عنه باسم مكافحة الإرهاب. والهدف النهائي للدولة حكومة مقرِّرة وجيشاً منفِّذاً، هو إنهاء اي احتضان مهما كان ضئيلاً للذين يسميهم العالم ارهابيين سواء بين لبنانيي عرسال أو سورييها. وفي أي حال تقول المصادر إياها إن الجيش لن يتراجع في عرسال، وإن قيادته مقتنعة بأنه قادر بالقوات التي حشدها فيها وحولها على الصمود وعلى منع أي غزوة أخرى. وقد يكون لبدء "التحالف الدولي لمكافحة الارهاب" غاراته الجوية على مقاتلي "داعش" و"النصرة" وغيرهما في العراق وسوريا دور في الاقتناع المذكور، وكذلك لانتظام المساعدات العسكرية الأميركية للجيش، اذ أنه يؤكد ربما الحرص على عدم تمدُّد هؤلاء "سيطرةً" الى لبنان. والسؤال الذي يُطرح هنا في حال حصول "المقدور الذي ما منه مهروب" كما يُقال سواء بسبب اقتراب فصل الشتاء أو بسبب الحاجة إلى توسيع ميدان المعركة بعد القصف الجوي اليومي الغربي – العربي – الإسلامي للمسلحين، هو: ماذا سيفعل العرساليون؟
قبل الجواب عن هذا السؤال تفيد معلومات المصادر العليمة والجدية جيداً ان أهالي عرسال، كما فريق 14 آذار بمسلميه السنّة ومسيحييه، كانوا متعاطفين مع الثورة السورية على نظام الرئيس بشار الأسد. وبعد قمعه العسكري البلا ضوابط لها ثم تعسكرها تحوّلوا كلهم بيئة حاضنة للنازحين السوريين إلى لبنان، وتحول قسم منهم الى بيئة حاضنة للثوار المقاتلين. واستمر ذلك حتى بعد انقسامهم أو توزعهم على فصائل وتنظيمات متناحرة غالبيتها ترفع شعار الاسلام، وتسعى إلى هدف أكبر من إسقاط الأسد هو إقامة دولة الاسلام (الخلافة) ولكن بتشدُّد غاب منذ قرون ويحمل عنوانين: الأول، عدم الاعتراف بالآخر المختلف مسلماً سنياً أو شيعياً او درزياً أو... لا فرق أو مسيحياً. والثاني، إلغاء هذا الآخر بالعنف المفرط. وقد يكون للصراع الداخلي ذي الطابع السياسي ظاهراً والمذهبي ضمناً الذي صار لاحقاً مُعلناً، دور في الاحتضان المذكور. هل لا يزال "الاحتضان" المذكور في عرسال واسعاً؟ وماذا يفعل أهلها في حال تعرضت بلدتهم "لغزوة" ثانية؟ وهل هي "محتلّة" اليوم برضاها؟ وإذا كان الجواب سلبياً فهل تقبل "احتلالاً"؟