تنظيم الدولة الاسلامية في العراق والشام /داعش/استطاع وفي فترة زمنية قياسية ان يصبح الحدث الابرز في جميع وسائل الاعلام العالمية وقد انصبت جهود قيادات اكبر الدول على نسج التحالفات للتصدي له ومحاربته وتضييق المساحة حول حركته ونشاطه كمقدمة للقضاء عليه ,وهذا اعطاه اهمية دولية وشهرة عالمية ساعدته في تجنيد المزيد من المنحرفين عن طريق الانسانية والبشرية .

    لكن هذه الشهرة بقدر ما كانت عامل ايجابي لهذ التنظيم وغيره من الجماعات المتطرفة لكنها شكلت عاملا سلبيا دفع باتجاه محاربته والحد من نشاطه وخطره. فتنظيم داعش الذي ادهش العالم بعنفه القاطع وبقدراته الاعلامية ووسائل تسويق نفسه بالخنجر والسكين والذبح والرؤوس المقطوعة ,الاانه ليس اسطورة فوق العادة ولا الفكر الذي يمكن ان يستقطب الطبقات القكرية والمثقفة في المجتمعات العالمية ولم يمتلك الحلول التي يمكن ان تقدم اجوبة على مشاكل العالم,بل ان شهرته في جانب ما كانت مبعث قلق وتوجس من امتداده وسيطرته .

 فما لم يستطع تنظيم داعش ان يحتفظ به هو الاستمرارية والديمومة ,بل على العكس من ذلك فان صعوده المفاجىء باعتماده هذه الدموية المرعبة كانت سببا لتحريك عجلة الاعتدالين السني والشيعي في عواصم صنع القرار السياسي في المنطقة الاسلامية وخصوصا في الرياض وطهران وكذلك في عواصم الدول الكبرى وفي مقدمتها واشنطن للوقوف دون تمدده وهذا ما يحدث الان بحيث يُؤسس لتحالف دولي يبدأمن الولايات المتحدة الاميركية مرورا بمعظم الدول الاوروبية وصولا الى دول منطقة الشرق الاوسط هدفه محاربة هذا التنظيم واقتلاعه من البيئات التي كانت تشكل حواضن له .

     والتطورات بدأت مع التغيير في العراق الذي جاء لمصلحة الاعتدال فالتوجهات الاساسية لرئيس الوزراء الجديد هي مشاركة المكون السني في صناعة القرار السياسي في العراق مشاركة حقيقية وبدعم من ايران بصفتها قائدة صنع القرار الشيعي بعيدا عن لغة الانتصار والفرض والهيمنة . وفي السياق عينه يأتي توجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز في كلمة واضحة وصريحة انه لا بد من محاربة هذا الشرير بالقوة والعقل والسرعة وطالب قادة وعلماء الامة الاسلامية ان يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الاسلام وتقديمه للعالم على انه دين التطرف والكراهية . وقد تم تتويج الموقفين الايراني والسعودي بلقاء جدة الذي جمع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل بمساعد وزير الخارجية الايراني للشؤون العربية والافريقية حسين امير عبداللهيان وقد تم اللقاء في جو ايجابي وتفاهم وتوافق الطرفين على ضرورة مكافحة الارهاب والتطرف .

   واذا كان من المبكر الحديث عن النجاحات التي يمكن ان يحققها هذا التحالف الدولي ضد الجماعات الارهابية وفي مقدمتها داعش ,الاان التطرف والبربرية الذي اعتمدته هذه الجماعات وكانت سببا في بروزها السريع فان التطرف ذاته اعاد رسم الخريطة الفكرية للانظمة الاسلامية السنية والشيعية لاعتماد الاعتدال كقاعدة لمواجهة هذا التطرف ,وادى الى المزيد من التقارب بين العواصم الاسلامية فيما بينها ومع عواصم القرار الدولي ,وهذا يؤشر لمرحلة جديدة لمنطقة الشرق الاوسط عنوانها التوافق والتقارب وازالة الحساسيات المذهبية واعتماد الاعتدال الديني كنهج سياسي للانظمة الاسلامية تبني عليها ايديولو جياتها وفكرها .

                                طانيوس علي وهبي