في اعقاب الحرب العالمية الاولى وبعد هزيمة تركيا والتي كان يطلق عليها بالرجل المريض سارعت دول الحلفاء /فرنسا ــ بريطانيا /لتتقاسم التركة التي خلفتها السلطنة العثمانية وذلك بوضع اليد على الدول التي كانت ترزح تحت نير الاحتلال التركي ....وفي عام 1918 اعلنت عصبة الامم فرض الوصاية على البلاد التي انتزعت من الدولة العثمانية فيما عرف بالانتداب ,وكان هدف الانتداب هو مساعدة الدول التي كانت مستعمرة على النهوض وتأسيس القوانين لانشاء دول حديثة ,وبحسب اتفاقية سايكس ــ بيكو  انتدبت فرنسا للاشراف على منطقة سوريا والتي كان لبنان من ضمنها .

   وهنا اغتنم اللبنانيون وفي مقدمتهم المسيحيين وبوجه خاص الموارنة الفرصة للمطالبة باستقلال لبنان واستعادة الولايات التي فصلت عنه نتيجة الصراعات والخلافات الداخلية والتدخل الخارجي المشيوه في كل مرة لحسم وانهاء تلك النزاعات . لكن اللبنانيين وكعادتهم ونتيجة التركيبة الطائقية التي تتحكم به وبقراراته انقسموا فريقين : فريق مطالب بالاستقلال والانفصال عن منطقة سوريا والتعامل مع فرنسا وهذا الفريق غالبيته من المسيحيين وبوجه خاص الموارنة ,وفريق آخر وتتشكل غالبيته من المسلمين الذين رفضوا الانفصال عن سوريا وحتى اذا نال لبنان استقلاله فكان توجه هذا الفريق هو الالتحاق بسوريا والتشبث بالهوية العربية ورفض الالتحاق بركب الغرب خوفا على هويته من الذوبان في الثقافة الغربية وخصوصا الاوروبية .

  وفي هذه الاثناء قام الملك فيصل باعلان المملكة العربية وعاصمتها دمشق كنتيجة لوعود كان قد حصل عليها والده الشريف حسين من دول الحلفاء وخاصة من بريطانيا بمنح الدول العربية الاستقلال اذا ما ساندتها ضد الدولة العثمانية خلال مراحل الحرب ,وبالفعل فان الشريف حسين اعلن الحرب على تركيا وحاربت جيوشه الى جانب الحلفاء ,وهذا ما كشفته الوثائق السرية بينه وبين وزارة الخارجية البريطانية من خلال ما عرف لاحقا برسائل /مكماهون ــ حسين / . ولما قدم الملك فيصل الى دمشق في الفترة اياها معلنا عن عزمه الاعلان عن المملكة العربية قامت وفود اسلامية سنية شيعية غالبيتهم من الساحل اللبناني بزيارته مطالبة بالانضمام الى الدولة العربية.

   وفي جانب آخر وفي سياق توزيع المكاسب التي حققتها دول الحلفاء بعد هريمة تركيا والدول التي شاركت معها في الحرب ,عقد في العاصمة الفرنسية باريس وفي قصر فرساي في العام 1919 مؤتمرا سمي مؤتمر فرساي وحدد المؤتمرون خلاله توزيع المناطق العثمانية على المستعمرين الجدد بريطانيا وفرنسا.

     وفي هذه الاثناء وفي 15 تموز 1919 قام البطريرك الماروني الياس الحويك على رأس وفد من المطارنة بالتوجه الى باريس لمطالبة المؤتمر باستقلال لبنان ,وخلال وجوده في العاصمة الفرنسية حدد البطريرك مهمته من خلال تصريح لأحدى الصحف الفرنسية وهي ان سفره الى باريس مثلث الاهداف : المطالبة باستقلال لبنان المطلق الذي هومن حقه والمطالبة باعادة الحدود الطبيعية والتاريخية اله كما رسمتها خريطة الحملة الفرنسية سنة 1861 واخيرا التأكيد على العلائق المتينة مع فرنسا كما تناول في حديثه الصحفي ,التفويض الذي حمله من مجلس الادارة والمجلس النيابي المنتخب والممثل بصدق وامانة الرأي اللبناني ومن مختلف الطوائف الدينية والشعبية في المناطق المطلوب ضمها الى لبنان .

  هذا الموقف من جانب البطريرك كان ردا واضحا على الحملات التي استهدفته واستهدفت هذه الزيارة من التيار المعارض له من السوريين , وبالتحديد كان ردا على الاحتجاج الذي رفعه حزب الاستقلال العربي في دمشق الى مؤتمر الصلح في فرساي في 7 آب 1919 الذي انتقد سفر البطريرك الى باريس حيث جاء في الاحتجاج ان البطريرك الذي يطالب بدولة لبنان الكبير فانه لا يمثل غالبية اللبنانيين بل انه زعيم طائفة لا تمثل الا الاقلية الصغرى في هذه الدولة .

     وتزامن مع هذه التطورات المتسارعة قيام الملك فيصل بالسفر متوجها الى فرنسا ليتفاوض مع الحاضرين في مؤتمر فرساي على تأسيس المملكة العربية وتضم جميع البلاد جنوبي تركيا بما فيها لبنان وبطبيعة الحال فان الملك فيصل كان يعبر عن رغبة المسلمين الذين يقيمون على الاراضي اللبنانية والمطالبين بالانضمام الى المملكة العربية بمن فيهم الشيعة وخصوصا شيعة جبل عامل حيث برزت مواقف سياسية بقيادة مراجع دينية وابرز هذه المراجع السيدمحسن الامين والسيد عبد الحسين شرف الدين والسيد عبد الحسن نور الدين وبالتوازي نشأت مجموعات مسلحة ابرزها مجموعة ادهم خنجر وصادق حمزة ,وكانت تعارض ضم جبل عامل الى دولة لبنان الكبير وتطالب بضمه الى سوريا الكبرى .

     وفي خضم هذا الحراك فان مطالب اللبنانيين تمحورت حول قطبين رئيسيين :القطب الاول ويمثله البطريرك الياس الحويك ومعاونيه من جهة والمؤتمر السوري العام والذي يدعمه الملك فيصل من جهة ثانية ,لكن وفي اوائل ايلول عام 1920 اعلن المفوض السامي الفرنسي الجنرال غورو قيام دولةلبنان الكبير معلنا بيروت عاصمة لها وتمثل علم الدولة في دمج علمي فرنسا ولبنان معا ووصفت الدولة الجديدة باسم لبنان الكبير على اساس ضم ولاية بيروت مع اقضيتها وتوابعها صيدا وصور ومرجعيون وطرابلس وعكار وكذلك ضم البقاع مع اقضيته بعلبك والبقاع الغربي وراشيا وحاصبيا فاتسعت مساحة لبنان من 3500 كلم مربع الى 10452 كلم مربع وزاد عدد سكانه من 414 الف نسمة الى 628 الفا .

   وفي 23 ايار من العام 1926 انشأ الفرنسيون الجمهورية اللبنانية ,واقر مجلس الممثلين ,الدستور اللبناني واعلن قيام الجمهورية اللبنانية والتي تعتبر بداية التاريخ الحديث للبنان وانتخب شارل دباس كأول رئيس للبنان .

                         طانيوس علي وهبي .