التاريخ: 17-3-1974
الملخص: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه وخاتم رسله محمد وآله الصالحين..
أيها الاخوة..‏
ذكرى سيد الشهداء في مدينة بعلبك تذكّرني بيومٍ مرّ على هذا البلد منذ 1335 عاماً..‏
هنا لعلع الرصاص احتفاءً بالإمام، فغضب سماحته، وقال:‏
امتنعوا عن إطلاق الرصاص.. وفرّوه لصد العدو الصهيوني.. وسأقول كلاماً أقسى من الرصاص..‏
عندما دخل أسرى آل البيت ورأس الحسين وأصحاب الحسين هذه المدينة (في طريقهم الى الشام) قالت الدولة يومها أنّ الخوارج يريدون دخول بعلبك، ولما وصل الأسرى سألهم الأهالي: من أنتم؟، فقالت لهم زينب بنت علي: نحن من أسرى آل محمد.. فثار أهل بعلبك، وهجموا على عملاء الدولة، وطردوهم من البلد، وبنوا مسجداً سُمي مسجد رأس الحسين، كما بنوا مقاماً لبنت الحسين التي ماتت من عذاب الطريق..‏
كان ذاك الاحتفال الأول بهذه الذكرى، واليوم نحتفل بذكرى الأربعين ولمناسبة متشابهة من المواقف والأهداف ومن حملة التضليل..‏
والمواقف هي أنّ الحسين اعتبر يوم خروجه أنّ مجرد عدم إحقاق الحق وإزهاق الباطل كاف لأن يرغب المؤمن في لقاء ربه والاستشهاد في سبيله..‏
نحن اليوم نرى أنّ الحق لا يُعمل به والباطل لا ينهى عنه وننظر أيضاً الى التشكيك والتشويش والى الغبار الذي أثاروه، فكادت العيون لا ترى.. نحن هنا لأننا رفضنا الخضوع للتضليل.. اجتمعنا لنرفضه كما رفضه أجدادنا..‏
بعلبك ليس فيها مدرسة رسمية واحدة، فكل المدارس مستأجرة، كانت هناك مدرسة من أيام الفرنسيين، المدرسة هي بداية الطريق، فيا أيتها الحكومة: متى تضعين حجر الأساس في الطريق؟.. ماذا تتوقع الحكومة؟ ماذا تتوقع منّا غير الغضب والثورة؟..‏
منذ ألفَي سنة كانت بعلبك وضواحيها تروى عن طريق إنشاء سدود، أما اليوم فإنّ مياه رأس العين لا تروي أهلها، بل إنّ 40 % من مياهها تذهب هدراً وتغور في الأرض، لأن الحكومة تبخل بصرف بعض الأموال لتوفير الماء لهذا البلد: قلعة البطولة في لبنان..‏
لماذا هذا الإهمال؟ ومع كل ذلك يسألون لماذا نغضب؟ مشروع عيون ارغش بإمكانه أن يروي 27 قرية، لكن هذه القرى تعيش الآن عطشى.. ليس فيها قطرة ماء.. مع أنّ المشروع جاهز والاعتمادات مرصدة منذ العام 1963، ومشروع العاصي-القاع-الهرمل منذ 1963 الاعتمادات متوفرة له لكنه لا ينفَّذ..‏
إسمحوا لي بأن أنقل إليكم مأساة الجنوب من المياه، أنتم يا أبناء بعلبك سند لأبناء الجنوب وحماة ظهورهم وإخوانهم في السرّاء والضرّاء..‏
الليطاني تنبع مياهه من أرضكم، وتجري وتصبّ في البحر، وحسب التقييم الجيولوجي منطقة الجنوب تُعدّ من أفقر المناطق اللبنانية من حيث الماء، ومع ذلك تآمروا على مياه الليطاني..‏
أنتم تعرفونني هادئاً، وتعجبون لماذا أغضب؟ لأنهم سرقوا من مياه الجنوب 300 مليون م مكعّب، والآن يريدون سرقة 60 مليوناً أخرى لبيروت حتى يقضوا على البقية الباقية من أمل الجنوبيين في مياههم..‏
إذا كانوا يريدون الماء لبيروت فلماذا لا يجلبون إليها مياه نهر بيروت ومياه نهر إبراهيم التي تهدر في البحر؟ لماذا لا ينفّذون مشروع نفق الزلقا-شتورة: حيث يمكن جلب 15 مليون م مكعّب الى بيروت، وهذا المشروع يموّل نفسه بنفسه، ويسهّل الانتقال بين بيروت وشتورة، ويختصر المدة الى 20 دقيقة، لكنهم لا يريدون تنفيذ كل هذه المشاريع بل يريدون أخذ مياه الليطاني..‏
بعد مؤامرة تحويل مياه نهر الأردن: تحاك مؤامرة لتحويل مياه الليطاني، هم ليسوا مهتمين بالليطاني، بل كانوا يفكرون بسحب مياهه الى بيروت منذ 1954، وهل تصدقون أنهم يخافون على الجنوب ويحرصون عليه؟‏
قالوا أنّ الدراسات التي وضعتها منظمة الأغذية والزراعة الدولية للمشروع وراءها إسرائيل وأخذوا يوشوشون ليمنعوا تنفيذه..‏
والآن يريدون إرواء 10 آلاف هكتار، لماذا لا يروون 40 ألف هكتار؟‏
أحد الخبراء اللبنانيين (وهو عضو في مجلس الليطاني) يقول أنّ البرنامجين الأول والثاني للمشروع يؤكدان أنه لن ينفّذ، لأن مصلحة الليطاني كما هي ليست قادرة على التنفيذ، والدليل على صحة ذلك، إنّ الليطاني بدأ يكوّع نحو بيروت، ولن يبق للجنوب نقطة ماء في سنوات الشحائح، وكانوا يقدّرون تكاليف المشروع بـ350 مليون ليرة، وحتى الآن صرفوا 400 مليون، ولم ينته..‏
هناك أيضاً مشروع مياه يارين-كفرا-يارون الذي سيروي المنطقة، لكنهم لا ينفّذونه لأن الحكومة التي وضعته لا تعجبهم..‏
في منطقتكم وفي الجنوب والشمال آلاف المواطنين لا يُسمح لهم بحمل الهوية اللبنانية، مع أنهم لبنانيون منذ ألف سنة، هم لا يريدون إعطاءهم الهوية اللبنانية..‏
توهموا أنهم يضحكون علينا عندما أعلنوا أنهم خصصوا للهرمل 15مليون ليرة، وهو رقم يكفي لكشف نياتهم، من أصل 863 مليون ليرة هي موازنة 4 وزارات خلال 4 سنوات لم يُصرف على الجنوب سوى 41 مليون ليرة، مع أنّ حصته وحقه 216 مليون ليرة..‏
في التسجيلات قالوا أنّ الشيعة حصلوا على حقوقهم، لم يحصل ذلك إلا بعد ضغط، لكن يحق لنا كطائفة شيعية 34 مركزاً في الفئة الأولى أو 33 مركزاً ونصف، فأعطونا 27 مركزاً، تبقى لنا 6 مراكز ونصف.. نريد حقنا كاملاً، لكن هذا ليس بكاف، فنوعية المراكز التي تسلّم الى الطائفة الشيعية هي من الدرجة الثانية، ليس هناك عميد شيعي لأية كلية في الجامعة، والسفراء الشيعة يعيّنون في البلاد المتخلفة..‏
يصنّفون المراكز حسب الطوائف، لماذا؟، هل لأن فكرة الاحتقار تسيطر عليهم؟ أعطونا مراكز غير مهمة.. قاموا‏
بتعيين مهندس بناء في تعاونية الموظفين.. سلطان حيدر أسس مكتب الإنتاج الحيواني.. أبعدوه، لماذا؟ لأنه أسس.. يجب ان يكون سفيراً أو يكون في تصرف رئيس الحكومة..‏
الإمام علي قال ما معناه أنه إذا تُرك الأمر لغير الاختصاصيين وذوي الشأن فالبلد الى دمار، يجب أن نتحرك لأن الحركة هي الوحيدة التي توصلنا الى النتائج..‏
كنت في أسوج، حيث التقيت خبيراً اجتماعياً كبيراً هو رئيس لجنة مكافحة المخدرات، فأخبرني أنّ منطقة بعلبك هي مصدر الحشيشة للعالم وأنّ أهالي المنطقة هم دولة ضمن دولة، وأبدى الخبير كل استعداد لتطوير المنطقة، فأجبته أنّ المنطقة لا تستعمل الحشيشة، ولكن ليس فيها مشروع حيوي، فهذا حلم المنطقة، هكذا الدولة لا تعمل على إنماء المنطقة، بل تشوّه سمعتها في الخارج..‏
متر الأرض في بيروت ثمنه 10 آلاف ليرة، وفي بعلبك 10 قروش، 100 ألف مرة أكثر، ماذا تريد منّا الحكومة أمام هذا العدل والإنصاف؟..‏
ننتقل الى الرمل العالي وبرج البراجنة، الى ضواحي بيروت، ألا تستحي أيها المسؤول أن يكون على بُعد كيلومترات منك مثل هذه البيوت التي لا تُسكن؟ ويسألون لماذا ننفجر ولماذا نغضب؟ في شوارع بيروت 1200 طفل متشرد: 1100 منهم من الشيعة، هل يقبل الحسين؟ هل يقبل علي أن يكون أبناؤه مشردين؟..‏
في حوادث أيار: قُتل من قُتل، وفي الرمل العالي لا توجد قاعدة للفدائيين، قصفوا المنطقة بالصواريخ والطائرات، قتلوا الأطفال والطلاب ولم يعوضوا ذوي الضحايا حتى الآن، ولا يسمحون بإعادة بناء البيوت التي تهدمت.. إنّ الظلم تجاوز كل حد، وحادثة كربلاء ليست بعيدة عن أذهانكم.. ولا عن أذهانهم..‏
أما الجنوب والدفاع عن الجنوب.. لا دفاع.. إسرائيل تجرّب أسلحتها في الجنوب، تعمل مناورات على قرانا بالذخيرة الحية، هذه أحسن أرض لها، يقولون أنهم يضربون الفدائيين لأنهم ينشطون من الجنوب، هذا كذب، إنّ الفدائيين يتمسكون بلبنان ويحافظون عليه، تمسّكهم به كتمسّكنا نحن، تحركاتهم حصلت قبل حرب تشرين، ونشطوا خلال الحرب، ثم عادوا وسكتوا بعد الحرب..‏
أيها المسؤولون: هؤلاء الأبطال مستعدون للدفاع عن جنوب لبنان، بعلبك-الهرمل مستعدة لفتح مخيمات تدريب لتدرب أبناء الجنوب وتعطيهم سلاحاً، أبناء بعلبك-الهرمل لم يعطهم أحد سلاحاً، وفرّوا خبزهم وخبز أولادهم لشراء السلاح من زمان، وهم مستعدون لتقديمه الى الجنوبيين ليدافعوا به عن الجنوب لأن الدولة لا تدافع..‏
أنا سأطلب منكم إنشاء مخيمات التدريب.. مخيمات في البقاع والجنوب.. وأنا سأتدرب معكم.. (هنا انطلق الرصاص بغزارة، فقال الإمام الصدر: نريد أن تطلقوا الرصاص على العدو في الجنوب).. وتابع سماحته: لا تعتقدوا أنّ المعركة مع إسرائيل قاربت نهايتها وأنّ العالم العربي سينام مرتاحاً، إسرائيل لا تترك لهذه المنطقة قراراً، لقد زرت الرئيس الأسد.. (هان قوطع الإمام بإطلاق رصاص لوقت طويل).. أضاف سماحته: سألته عن قضية فصل القوات مع إسرائيل، فقال لي: إسرائيل خسرت استراتيجيتها الحربية، وكانت تتصور أنها ستخوض حرباً خاطفة، والآن تريد ربح المعركة السياسية بفصل القوات، كذلك الشرق والغرب يريدان ذلك، أنا أقول لك: لو كلفتنا المعركة السياسية مليون قتيل أو مليونين فسنخوضها..‏
المعركة لم تنته.. نريد أن نستعد.. نريد أن نربّي جيلاً يتمكن من حمل السلاح بيد والمنجل باليد الأخرى، ليستمر.. لذلك نحن بحاجة الى التدريب العسكري، وقد طالبنا الحكومة بذلك، وليس هناك من مجيب، نحن مضطرون الى تدريب أولادنا وتسليحهم لكي نحفظ كرامة بيوتنا وأعراضنا ونؤدي دورنا في صيانة الوطن، وهذا المهرجان هو كلمة الفصل في موقفنا..‏
عمال وطلاب مدارس وأساتذة يضربون، فتهبّ الدولة وتجمع لجنة لتحاورهم..‏
الطائفة الشيعية بعرضها وطولها ومن يساندها من اللبنانيين الشرفاء تصرخ وتستنجد من زمان، ولا من مجيب، ولا من مُحاور، ولا من حديث جدي، ماذا نقول أمام هذا الاستهتار؟..‏
أخيراً وجدوا أنّ المطالبة جدية، لقد بدأنا الاجتماعات والمهرجانات وسننتهي الى المواقف السلبية من إضراب واعتصام وعصيان مدني..‏
وجدوا أنّ المطالب جدية، بدأوا يشككون، بدأ إعلامهم الرسمي وبعض الإعلام الخاص الذي يدفعون له يقولان أنّ هذه الحركة وراءها دول أجنبية.. لم يبق لنا سوى بعض الإعلام الخاص الوطني الشريف، فهذا صوتنا الذي يوصلنا الى العالم، قالوا أنّ مطالبنا وراءها دول أجنبية لها مخططات سياسية، إنّ الذين يصفون مطالبنا بذلك هم غارقون في العمالة للأجنبي حتى رؤوسهم..‏
سرعان ما اكتشف اللبنانيون أنّ حركتنا وطنية صادقة نابعة من إيماننا بلبنان وبالله، إنها لِصيانة الوطن وللقيام بالدور الواجب في معركة أمتنا..‏
عادوا وقالوا أنّ السيد موسى يريد الرئاسة مدى العمر، سحبنا المشروع من المجلس حتى لا يبقى مجال للتأويل، وقلت لهم: لا أريد الرئاسة.. أعطوني مطالب الطائفة وخذوا استقالتي..‏
الصحافيون الحاضرون الشرفاء قدّروا عددكم بـ75 ألفاً، منذ 5 سنوات اعتدي عليّ ولم أكن رئيساً.. ولم يكن على سيارتي علم، وقامت القيامة، إذاً علاقتي معكم ليست عابرة بل علاقة نضال وعلاقة مذهب..‏
أخذوا الى جانبهم (ويا للأسف) بعض العلماء ترهيباً أو ترغيباً، خوّفوهم بأشياء، ووعدوهم بأشياء، وهذا لن يدفعنا الى المساومة، فنحن لا نرضى إلا بتأمين حقوقنا..‏
جماعة بدأت تتكلم عن الخلاف بيننا وبينهم، وجماعة أخرى عن المصالحة، وألّفوا أوركسترا، واللهِ لا يوجد خلاف، وأنا أطالب بحقوق الطائفة..‏
وجدوا الطلب حديّاً.. فنشروا أخبار الخلاف، وهناك أناس حسنوا النية استُدرجوا الى البحث في الخلاف والمصالحة، نحن طلاب حق، لسنا ضد أي إنسان، نطالب بحقّنا، ولا نتنازل عنه أبداً، سنستمر للنهاية، شعارنا رفعه الحسين سيد الشهداء، وهو أننا نموت ولا نتراجع عن المطالبة بحقوقنا..‏
هذا اللقاء أكّد أنّ الطائفة قلبها واحد وهذه المنطقة متحدة صفاً واحداً وراء المطالبة بدون أي انقسام ولا خوف أو وجل، ماشية في هذا الطريق، وتأكد لنا أن الكثير من اللبنانيين بل كل الشرفاء معنا في موقفنا..‏
اللبنانيون لم ينسوا أيّار، كيف كنت أنتقل من سوريا الى شارع صبرا الى قيادة الجيش، وأتعرض للموت كل ساعة حتى أوفّر دماء الأطفال وأخفّف من الصدام.. في تلك الليالي لم أكن أقدر أن أقبّل ابنتي الصغيرة، لأنني كنت أتذكر الأطفال الذين قُصفوا بالطائرات، كنت أفيق مذعوراً..‏
الحكام يذكرون المصالحات والخطابات والمواقف التي وقفناها خارج لبنان، ويعرفون أنّ موسى الصدر وطائفة موسى الصدر هم المتمسكون بالدرجة الأولى بلبنان وبصوت لبنان ويدفعون عنه كل شر، وحتى إذا كنّا الآن غاضبين فذلك لمصلحة لبنان وشفقة على المسؤولين الذين لسوء حظهم وسوء حظنا ما زالوا متعنتين.. إنّ ذلك ليس من مصلحتهم..‏
أمير المؤمنين علي (ع) لُعن على المنابر 80 عاماً، واتُهم بالإلحاد، والحسين بن علي كتب عنه قاضي الكوفة أنه خرج عن حدّه، والآن يقولون عنّي أنني خرجت عن حدّي وأنّ واجبي أن أتّبع الإيمان واكتفي به..‏
الإيمان ليس الذي يدعم عروشكم ويثبّت كراسيكم أيها الحاكمون، بل هو الذي يجعل الإنسان لا يرتاح إذا جاع جاره، كيف أرتاح والجنوب كل يوم يُقصف، وفي بيروت تشريد، وفي الشمال والبقاع إهمال وحرمان؟، الإمام علي قال: "لا والله ما خُلقت كالبهيمة المربوطة همّها علفها" نحن بشر..نحن نصلّي.. ولكن ما هي الصلاة المقبولة؟ هل هي التي تبعد الناس عن الاعتراض؟ وهل هي التي تخدّر الناس؟ هل هي التي تمكّنكم أيها المسؤولون أن تستمروا في غيّكم؟ .. القرآن يقول: (ويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون)..‏
لا نريد فساداً، بل نريد ممارسة إيماننا وإسلامنا، نريد الحق والخير، هذه الهي المطالب.‏
إنّ هذه الوجوه الكريمة وهذا الحشد وهذه المظاهر في بلد ديمقراطي هي أوضح دليل على موقف الشعب الذي يجب أن يخضع أمامه الحكام.‏
أمامنا (بعد الآن) احتفالات ومهرجانات في الشمال والجنوب والهرمل وبيروت، وكلمة الفصل هي موقفكم، هي اجتماعكم، وبعد فترة وجيزة (عندما تكون تمت المحاسبات وتهيأت الظروف) سأبدأ بما هو من حقي كرجل دين، سأبدأ بالأعمال السلبية، سأصوم معتكفاً في أحد مساجد بيروت، وسأكون معكم، وإذا لم يسمع المسؤولون صوتكم، وإذا لم يبدأوا الحوار الجدّي، وإذا لم يستفيدوا من الفرص المؤاتية (وظلّوا في طغيانهم) سنبدأ الخطوات السلبية، ماذا سيحصل؟ فليتحمل المسؤولون مسؤولياتهم، سأبقى طوال عمري جزءاً من ضمير هذا البلد: أصرخ في وجوههم وأقضّ مضاجعهم.. مضاجع المسؤولين.. وأوبّخ ضمائرهم إذا كان لديهم ضمائر..‏
أقول وأنصح: ما دام هناك إنسان واحد مظلوم، وما دام هناك طغيان لفئة على فئة، فإننا لا يمكن أن نقبل على أنفسنا صفة الشيطان، الساكت عن الحق شيطان أخرس، هذا ديننا، ولى عهد الموالاة، راحت الأيام التي يحضر فيها السيد موسى الحفلات، كنا نحضرها رغبةً وأملاً في أن يسمعوا، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود؟..‏
مكاني بينكم.. عرشي قلبكم.. قوّتي يدكم.. حارسي عيونكم.. مشاريعي تُنفَّذ بواسطتكم، مجدي اجتماعكم، عدوّي عدوّكم، صديقي صديقكم، يدي يدكم، لا أستبدل بكم أحداً في الدنيا: لا ملكاً ولا رئيساً و وزيراً ولا كبيراً ولا صغيراً..‏
نحن نقدّر ظروف المنطقة، ونقدّر ظروف الحرب، ونعرف المطامع الإسرائيلية، تصرَّفنا تصرفاً رزيناً، نتحدث بأعصاب هادئة، وننظّم في أوقات هادئة، ونتحرك تحرّكاً منطقياً رصيناً، سوف لا نخرج عن اتزاننا في نضالنا، أيّها المتربصون بنا: سوف نخيّب أحلامكم وآمالكم وظنونكم، هذا هو موقفنا: مطلب حق دافعه الإيمان وحبّ الوطن، وسيلتنا وسيلة سلمية متصاعدة مشروعة نحاول بها أن نذكّر الذين كانوا يعيشون ليالي قلقة حتى إذا برز السيد موسى على شاشة التلفزيون اطمأنوا وناموا مرتاحين..‏
سأبقى في خدمة لبنان الوطن، هو ليس ملكاً لأحد كفرد، حقوقنا نريدها، وهي معروفة ومنشورة، لا الله يقبل ولا الضمير (إطلاقاً) بالتمييز العنصري (كالذي في جنوب أفريقيا)، ونحن لن نقبل التمييز بين الطوائف، نحن أبناء علي والحسين، ولن نسكت..‏
أريد منكم أيها الإخوان الأعزاء أن توضحوا مطالبكم لجميع اللبنانيين وتضموهم الى صفوفكم، لا نريد الطغيان على أحد، نقف الى جانب المظلومين، كونوا منضبطين، وها أنا أمامكم أحلف بالله العظيم، ولا يمين مع الله، وأنا أعني ما أقول، أحلف بالله العظيم أن أتابع هذه المسيرة مهما كلفتني من تضحيات.. حتى روحي وحياتي.. أحلف بالله العظيم أني مع رفاقي سأتابع هذه المسيرة ونناضل إذا بقي في لبنان مظلوم واحد.. شيعياً كان أم غير شيعي..‏
وأطلب منكم يا مئة ألف.. أيها الحضور.. أيها المواطنون الشرفاء.. أن تحلفوا جميعاً بالله العظيم أنكم ستتابعون هذه المسيرة بلا مساومة، كما أني أحلف بالله العظيم أن لا أساوم من أجل الرئاسة ولا من أجل ألف رئاسة، وأقصد رئاسة المجلس الشيعي، هذه أشياء كلها تحت أقدامكم، وأنتم تحلفون أن لا تخضعوا للتشكيك ولا للتضليل، لأن التضليل سيتعاظم، حافظوا على وعيكم، واستمروا في مسيرتكم، واستمروا في هذا الخط، وسأتلو معكم صيغة اليمين حتى نحلف جميعاً على هذه الصيغة لتكون ميثاق شرف بيننا وبين الوطن ومع الأجيال التالية:‏
ورفعت الجموع كلها أيديها، وطلب الإمام الصدر من الجميع أن يتوجهوا نحو القبلة، ففعلوا..‏
وتلا الإمام الصدر صيغة اليمين، وكانت الجموع في الساحة الكبرى والطرق تردد الجُمَل بعده: "نحلف بالله العظيم وبالنبي الكريم، وبشرف الإنسانية، نحلف بالله العظيم أن نستمر في طريق مطالب حقوق الطائفة الشيعية، نطالب ونصرّ ونستمر ونشدّد دون خوف أو وجل ولا تراجع ولا مساومة، وسنقف مع كل مظلوم ومع كل ضعيف، ولا نرجع عن ذلك، ولا نضعف، ولا نتوانى، ونكون في خطى نبينا الذي يقول: "والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركت أو أموت دونه"..‏
هذا ميثاقنا وشرفنا ودمنا وعرضنا ومستقبل أولادنا وصيانة وطننا، سنبقى في الخط ونوحّد جهودنا وننسق مواقفنا الى أن نحقق الأهداف أو نموت شهداء في سبيل الله.. والله على ما أقول شهيد، وملائكته شهداء، وأنبياؤه شهداء، وأرواح الشهداء والصدّيقين والصالحين وعبده الطيبين يشهدون على ذلك، سنبقى الى جانب الحق والى جانب الوطن: نخاصم أعداءه، نخاصم إسرائيل، ونخاصم من هم وراء إسرائيل، والله على ما نقول شهيد..‏
ملاحظات لجريدة النهار قبل عرض كلمة السيد:‏
الناس كأنها في يوم الحشر، لا مكان لقدم، ولا يد إلا وتحمل السلاح، أكثر من 10 آلاف قطعة سلاح من مختلف الأنواع اختلطت بالجماهير الذين قدّر عددهم بما لا يقل عن 75 ألفاً، وانطلقت الزخّات الغزيرة لا تنقطع، وأخذت الحناجر تهتف: "يا سليل سيّد الشهداء الحسين بن علي"..‏
من كل مكان جاؤوا، تسابقوا الى ساحة رأس العين، أبناء القرى انتظروه عند مفارق قراهم المؤدية الى طريق زحلة -بعلبك، كان مفروضاً أن يصل الصدر عند العاشرة الى بعلبك، لكنه لم يتمكن من الوصول قبل الثانية عشرة (بسبب الازدحام)..‏
ولم يقتصر الأمر على الوافدين من منطقة البقاع، بل حضرت الوفود من بيروت وضواحيها ومن الجنوب.‏
ووصلت سيارته، وظنّ الناس أنه وصل، لكنهم فوجئوا أنه ليس بداخلها، واستمر إطلاق الرصاص، فعُلم أنّ الصدر يقطع المسافة بين مدخل المدينة ومكان المهرجان سيراً على القدمين..‏
نواب المنطقة وزعماؤها حاولوا الوصول الى الإمام ليستقبلوه، لكن الناس كانوا كتلة واحدة حالت دون ذلك.‏
ومن بعيد تطل عمامة سوداء ويد تحيّي، وتزداد موجات الرصاص، ويستمر ذلك زهاء 15 دقيقة..‏
وبعد جهد تمكّن الصدر من دخول الاستراحة، ثم خلع ومشى، وكانت قدماه متورمتين من المشي، وتعرضت الاستراحة لضغط شديد: كل من هناك يحاول الدخول لمصافحة الإمام..‏
ومن الاستراحة الى المنصة: لاقى الصدر مشقة كبيرة، حتى انّ عباءته تمزقت قليلاً كلٌ يريد لمسه ومعانقته.‏
وما أن أعلن الشيخ محمد يعقوب أنّ الصدر سيلقي كلمته حتى أمطرت الأرض رصاصاً، وظلّ الرصاص ينطلق والإمام يقف على المنصة منتظراً الهدوء.. عشرون دقيقة والرصاص لم يتوقف..‏
ملاحظات لجريدة النهار بعد عرض كلمة السيد:‏
وانفجر الرصاص من كل الأسلحة، ودوّت القنابل والمتفجرات، وزغردت الحناجر، ولم يعد أحد يسمع ما أراد الإمام أن ينهي به كلمته، فغادر المنصة وهو يسد أذنيه، ودخل الاستراحة، حيث عانقه النواب الحاليون والسابقون والشخصيات، وانتظر سماحته وقتاً غير قصير ريثما يخفّ الحشد، لكن الجموع بقيت في أماكنها، واستمر إطلاق الرصاص.. وغادر الإمام الاستراحة بصعوبة والرصاص يزغرد حوله، وقد اقتضاه من الوقت لدخول سيارته 15 دقيقة، وسارت أمام الموكب سيارات جيب مكشوفة اعتلاها مسلحون وهم يطلقون الرصاص..‏