لا يمكن لمراقب للأحداث التي تشهدها الساحة السياسيّة في الأسابيع الثلاثة الأخيرة، إلا أن يلاحظ وجود فريقٍ سياسيٍّ ينوي ضرب "صورة" قائد الجيش العماد جان قهوجي.

لا تحتاج لأن تقرأ بين السطور لتفهم بعض المكتوب في الصحف. فقد بدا واضحاً، من خلال تناول بعضها لموضوع العسكريّين المخطوفين وما سبقه من أحداث أمنيّة في عرسال، أنّ هناك من أراد من خلال مقاربته أن يسيء الى قائد الجيش الذي، ولو من دون إعلان، يعتبر أحد الأحصنة المشاركة في السباق الرئاسي.

وفي وقتٍ كان واضحاً أنّ الجيش وقائده يهمَّشان في بعض وسائل الإعلام، طرحت صحيفة "السفير" اليوم سلسلة أسئلة تندرج في إطار المتابعة اليوميّة التي تخصّصها الصحيفة لموضوع العسكريّين المخطوفين. إلا أنّ هذه الأسئلة أتت بأسلوبٍ غير بريء، بل هو أقرب الى توجيه الاتهام الى المؤسسة العسكريّة وقائدها.

وممّا جاء في الأسئلة:
هل صحيح أن قيادة الجيش لم تكن حتى يوم الاثنين الماضي تملك لائحة مكتملة بأسماء العسكريين من الشهداء والجرحى والمفقودين في معارك عرسال؟
ما هي قصة المجموعة العسكرية التي قررت الفرار من موقعها في لحظة بدء المعركة والالتحاق بـ"جبهة النصرة"، وكيف صدف أن كل المجموعة كانت من لون طائفي معين؟ ولماذا لم يعلن الجيش عن هوية هؤلاء الفارين أم أنه ينتظر من المجموعات المسلحة أن تذيع شريطا كما حصل في حالة أحد العسكريين الفارين سابقا؟
وإذا صح أن هناك مجموعة من العسكريين التحقت بالمجموعات التكفيرية، ألا يطرح ذلك أسئلة حول ما يجري داخل المؤسسة العسكرية، وكيفية إعادة تحصين العقيدة الوطنية القتالية وإبعاد العسكريين عن مناخ الانقسام السياسي والمذهبي؟

واذا كانت السلطة السياسية قد اعتمدت سياسة دفن الرأس في الرمال في تعاملها مع ملف الأزمة السورية، نزوحا وحدودا وأمنا وسياسة وديبلوماسية، يظل السؤال قائما: ألم تقصر القيادة العسكرية في اتخاذ الإجراءات الكفيلة بحماية العسكريين، خصوصا وأن عشرات الحوادث قد حصلت على مدى ثلاث سنوات وبلغت ذروتها في العام المنصرم؟ 

لقد بيّنت هذه الحوادث وغيرها وجود نقاط ضعف، على صعيد خطط وخطوط الدعم والمساندة والامداد والانتقال والانسحاب، كما على صعيد التموضع والتحصينات والذخائر والسلاح والاستخبار، وكان من البديهي أن ترصد المجموعات التكفيرية نقاط الضعف عند الجيش، وبالتالي، أن تحاول الاستفادة منها والتسلل عبرها في حال حصول مواجهة ما. 

ولقد جاءت نصائح من جهات عدة تدعو الجيش الى اعادة نظر جذرية في كل خطط انتشاره وتموضعه، بحيث ينتقل الى حالة الانتشار القتالي بدل الانتشار الانتظاري ـ الدفاعي.
هنا يبرز السؤال: هل اتخذت القيادة العسكرية ما يكفي من الاجراءات لحماية العسكريين ومنع انهيار مواقعهم في الساعات الأولى، ولماذا استمر تطويق العسكريين من العاشرة صباحا وحتى الرابعة عصرا، من دون اتخاذ اجراءات فورية لفك الطوق أو تأمين خط انسحاب أو غير ذلك؟ وهل كان هناك من يمني نفسه، حتى آخر لحظة، وبناء على وعود داخلية وخارجية، بتسوية تمنع أي انهيار دراماتيكي؟

لماذا لم يبادر قائد الجيش الى جمع القيادة العسكرية، في الساعات الأولى، بل ترك الأمور تتدحرج الى أن وصلت الى ما وصلت اليه؟

أما وقد حصل ما حصل، فهل يمكن أن تقدم قيادة الجيش تفسيرا للمعطى الذي كان يجعل رمزا أصوليا تكفيريا خطيرا من طراز عماد أحمد جمعة، يتنقل، وربما مع تسهيلات، عبر حواجز الجيش ونقاطه الست في منطقة عرسال على مدى أكثر من سنتين، ولماذا قرر الجيش توقيفه فجأة (السبت 2 آب) وهل صحيح أن الجيش تلقى اتصال استفسار من المجموعة التكفيرية التي يتزعمها جمعة، عن سبب التوقيف في هذا اليوم بالذات.. وكان الجواب (بلسان ضابط من آل ي.) أن جمعة "يعمل معنا وأهله في أحد المخيمات في عرسال، لكن تبين لنا انه مسؤول عن تجنيد العريف في الجيش عاطف محمد سعد الدين ومن ثم فراره والتحاقه بجبهة النصرة"؟

واذا صحت اعترافات جمعة بأنه وباقي المجموعات التكفيرية كانوا ينوون احتلال الحزام الممتد من عرسال حتى شاطئ عكار، فلماذا قرروا الانسحاب فجأة، ومن طلب منهم ذلك من داخل لبنان أو خارجه، وما هو دور بعض الهيئات والشخصيات في التسوية المذلة التي حصلت على حساب العسكريين؟

هل صحيح ان احد كبار السياسيين اللبنانيين اتصل من مقر اقامته خارج لبنان بالقيادة العسكرية معاتبا على توقيف جمعة، ومطالبا بالافراج عنه لكي لا يؤدي استمرار توقيفه الى مضاعفات، وهل صحيح ان القيادة العسكرية رفضت الطلب؟

لماذا سُمح لـ"هيئة العلماء المسلمين" المعروفة بعلاقتها السلبية مع الجيش وبتحريضها على المؤسسة العسكرية في محطات عدة، بالدخول على خط الوساطة مع المجموعات الارهابية، وهل تم ذلك بناء على رغبة جهة خارجية "ملزمة" للسلطة السياسية اللبنانية؟

هل قطعت السلطة السياسية تعهدا لـ"هيئة العلماء" بالاستجابة لمطالب المجموعات، سواء المتعلقة بالموقوفين الاسلاميين في رومية او اعادة الأمور الى ما كانت عليه قبل الأول من آب في عرسال وجرودها، بما في ذلك تخفيف القيود والاجراءات بحق مخيمات النازحين السوريين وعدم اطلاق النار على المسلحين أثناء انسحابهم ولا نزع سلاحهم ولا التعرض للجرحى وابقاء أحد المعابر مفتوحا؟

ألم يكن ممكنا للتسوية أن تكون مشرفة للعسكريين وعائلاتهم، وخصوصا عبر التدرج فيها بدل تنفيذها دفعة واحدة؟

ماذا يضمن الا يتكرر ما حصل والا تعود المجموعات المسلحة نفسها مرة ثانية الى عرسال او الى اي منطقة اخرى، وهل يملك الجيش القدرة على منع ذلك؟ ومن سمح بابقاء "معبر الحصن" مفتوحا حاليا أمام المجموعات المسلحة تتحرك عبره بين عرسال والجرود يوميا وعلى مرأى من حواجز الجيش اللبناني ونقاطه العسكرية؟

ان المعطى الأخطر في كل ما جرى في عرسال، أن وسائل الاعلام اللبنانية، وبينها "السفير"، كانت قد حذرت قبل نحو اسبوعين من تاريخ الأول من آب 2014، من اقدام مجموعات تكفيرية على اقتحام بعض بلدات البقاع الشمالي، وصولا الى ارتكاب مجزرة أو أكثر وخطف عدد كبير من العسكريين لمقايضتهم بالسجناء الاسلاميين المتطرفين في سجن روميه.

وليس خافيا على أحد أن هذه المعلومات كان مصدرها أكثر من جهاز أمني لبناني، فهل يعقل أن قيادة الجيش تصرفت مع هذه المعطيات وكأنها غير موجودة؟
وتضيف "السفير": إن هذه الأسئلة وغيرها (التموين والشرب والمحروقات والذخائر) برسم قيادة الجيش، ولعل المدخل للاجابة عليها يكون بتشكيل لجنة تحقيق عسكرية، تحدد المسؤوليات عما جرى وتضع خلاصات برسم كل الحريصين على المؤسسة الوطنية الأم الضامنة للسلم الأهلي وللمخاطر المتأتية عبر الحدود، سواء من جانب العدو الاسرائيلي أو الخطر التكفيري.