يبدو أن سياسة “النأي بالنفس” و”القيادة من الخلف” التي التزمهما الرئيس الأميركي باراك اوباما طيلة ثلاثة أعوام ونيف، قد شارفتا على نهايتيهما .
أثارت صوَر ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي والتهديد بذبح صحافي أميركي آخر، لدى الرأي العام الأميركي والدولي، ما لم تُثِره آلاف الصوَر التي حفِلت بها مواقع التواصل الإجتماعي عن «الإبادة الجماعية» طيلة فترة الحرب المندلعة في سوريا.

ففي الوقت الذي انطلقت اتهامات متبادلة، سواء بين أوساط الإدارة الاميركية نفسها أو بين معارضيها، حيال تحميل إدارة أوباما مسؤولية ما آلَت اليه الاوضاع في الاقليم، يُخيّم حذر وتوجّس كبيرَين على الخيارات التي يمكن أن تلجأ اليها واشنطن في حربها الجديدة.

فتَحت شعار: «هل تكفي الحرب الجوية وحدها لتحقيق الانتصار على تنظيم «الدولة الاسلامية»، تتناسَل أسئلة كثيرة ودعوات الى وجوب العودة بالذاكرة الى تجارب سابقة توَرّط فيها الأميركيون والغرب عموماً في مواجهات شبيهة».

هناك من يقول انه «اذا كان الخيار هو النأي بالنفس، فمِن الأجدى في هذه الحال الانسحاب من المعركة والحدّ من الخسائر والمخاطر قدر الإمكان، طالما أنّ الخلفية السياسية التي تنطلق منها تلك المقولة، تعتمِد في الدرجة الاولى على حُكم سياسي وجغرافي يعتقد بأن لا أمل يُرتجى من المنطقة التي تَلفظ في هذه المرحلة كلّ مَوبوءاتها وعناصر تخلّفها».

وتشير أوساط أميركية الى أنّ «اوباما أعلن منذ فترة طويلة أن لا مصلحة للولايات المتحدة الأميركية في الغرق في مستنقع يدور الخلاف فيه على مَوروثات دينية وعقائدية وسياسية. وعلى رغم تشديده الدائم على أنّ تدخّله الراهن في العراق يهدف الى الدفاع عن الافراد الاميركيين ومصالح بلاده، فإنّ إعلانه عن توسيع هذه الحرب للقضاء على إرهاب «دولة الخلافة» يضعه في مواجهة مباشرة، ليس فقط مع مؤيديها، بل مع جميع مسلمي العالم، السنّة والشيعة».

وتسأل تلك الأوساط: «لو سلّمنا جدلاً أنّ الحملة على تنظيم «داعش» ستنجح في العراق، لمَن ستُسَلّم المناطق المحرّرة؟». فاختفاء آثار الانقسام الذي شهده واندماله ليس مرجّحاً بطريقة سريعة، خصوصاً أنّ العملية السياسية الموعودة فيه لم تبدأ حتى الساعة. ثم، ماذا لو عمَد هذا التنظيم الى تفجير أيّ منشأة أميركية أو قَصفها، سواء داخل العراق أو خارجه؟ عندها، ما هي طبيعة الردّ الأميركي؟ وهل سيكتفي بالضربات الجوية؟».

وتذكّر الأوساط هنا بأنّ مبنى «المارينز» في بيروت والقاعدة العسكرية الفرنسية تعرّضا في العام 1983 لهجومين انتحاريّين أدّيا الى خروج القوات الدولية بعدما تكبّدت خسائر جسيمة في الأرواح، في الوقت الذي كان واضحاً أنّ إنزال قوات برية إضافية في لبنان أمر مستحيل. ولجوء واشنطن بعدها الى سلاحها البحري والجوي لم يُغيّر من الوقائع شيئاً يُذكر في تلك المواجهة.

وتضيف: «في ظلّ عدم بلورة سياسات واستراتيجيات واضحة للحرب الدائرة اليوم، يُخشى تكرار سيناريو بيروت مجدداً، إلّا إذا كان المأمول محاولة خلق دينامية جديدة في المنطقة، تعيد رسم السياسات وكل الأدوار، مع ما يعنيه الأمر من سياسة طويلة النفس».

وتؤكّد الأوساط أنّه «من دون وضع تلك الإستراتيجية التي تقوم على رفض الإرهاب وأنظمة الحكم الاستبدادي في المنطقة معاً، والتخلّي بالتالي عن سياسة تحييد الميادين وفرزها، مثلما هو حاصل مع سوريا، فإنه من غير المتوقع أن تُحقّق العمليات الراهنة أو التحالفات الدولية القائمة على ردّ الفعل أيّ أثر ملموس أو نتيجة تُرتجى».

وفي هذه الحال، يُخشى أن يكون «أبو بكر البغدادي» قد نجح في توريط أوباما مجدداً في حرب لم يكن يرغبها، أو في هزيمة معنوية، قد تكون كلفتها أقلّ بكثير من التورط في حرب لا يُعرف أوّلها من آخرها.