أينما ولّيتَ وجهكَ تمعّناً في شريط الأحدات السياسية والأمنية والعسكرية على الساحتين اللبنانية والعراقية لا بد وأن ترصد صوراً طبق الأصل تسعى إيران إلى تكريسها واستنساخها في العراق ولبنان عبر ذراعيها المطواعين نوري المالكي و”حزب الله”. على المستوى السياسي حدّث ولا حرج عن أوجه الشبه في الشلل النيابي والتعثر الحكومي وسياسة التعطيل والتنكيل بالدولة ومؤسساتها، حيث تشدد مراجع سياسية لـ”المستقبل” على كون المالكي و”حزب الله” يشكلان وجهي عملة التعطيل الإيرانية نفسها في استنفاد حساب الوحدة الوطنية والرصيد القومي العربي لصالح رفع أسهم طهران في بنك المصالح والبازار المفتوح نووياً وإقليمياً مع إسرائيل والغرب تحت شماعة “المقاومة والممانعة”.   وكما في السياسة كذلك في الأمن، إذ تسلّط المراجع السياسية الضوء على مخاطر أمنية مفتوحة ما زالت تقضّ مضاجع اللبنانيين والعراقيين تحت وطأة إمعان “حزب الله” في محاولة استنساخ تجربة المالكي على طريق استدراج المجموعات التكفيرية الإرهابية إلى حرب طائفية مستعرة تحرق الأخضر واليابس على ساحات الاعتدال والعيش المشترك لتنبت مكانها بذور القمع والاستبداد الطائفي المتقاطعة في مفاهيمها مع طبائع الأنظمة الحاكمة في كل من طهران ودمشق وتل أبيب.   وإذ تكشف المراجع لـ”المستقبل” أنّ “ملف شبكات الانتحاريين المضبوطة في الآونة الأخيرة في لبنان أنجز بصورة تامة، وصارت عناصره ومعالمه واضحة ومتكاملة بأدق التفاصيل أمام الأجهزة الأمنية”، إلا أنها تحذر في المقابل من “خطر ظهور شبكات أخرى طالما أن ملف أسباب تحويل لبنان الى ساحة لهؤلاء الانتحاريين لم يُفتح ولم يُعالج بعد”. وفي هذا الإطار تجزم المراجع بكون “السبب الأول والأخير لقدوم هؤلاء الانتحاريين إلى لبنان هو تدخّل “حزب الله” في المعارك الدائرة في سوريا تحت عناوين طائفية وأيديولوجية بحتة”، مستندةً في ذلك إلى مجموعة تقارير أمنية كانت تنفي احتمال انتقال المجموعات الانتحارية إلى أي بقعة من لبنان قبل هذا التدخّل.   وفي معرض سردها جملة وقائع ومعطيات تثبت كيف أنّ “حزب الله” يحاول في لبنان استنساخ تجربة نوري المالكي في العراق، تتطرق المراجع إلى السياسة التي يعتمدها الحزب ويتعمد من خلالها “استفزاز الشارع السنّي في لبنان وتهييجه طائفياً ومذهبياً عبر سلسلة إجراءات ميدانية عسكرية وأمنية بالتوازي مع بث وسائل الإعلام التابعة للحزب والمحسوبة عليه أنباء تحريضية مذهبية تتهم مناطق وقرى لبنانية ذات أغلبية سنية بأنها تؤوي الإرهاب وتعتنق فكره في محاولة لاستنفار مشاعر الشارع السني عموماً ودفعه نحو التخلّي عن خيار الاعتدال بما يقود إلى “اصطناع” بيئة حاضنة للتطرّف والإرهاب غير موجودة أساساً في هذا الشارع، بدليل بروز حالات احتقان متعدّدة بدأت تتفاقم في هذا الشارع لا سيما في عرسال وطرابلس، وقبلها صيدا.   وتعرض المراجع مجموعة من المعطيات السياسية والعسكرية التي قادتها إيران من خلال “حزب الله” مباشرة في لبنان منذ ثلاث سنوات وصولاً إلى حال الاحتقان المشار اليها، بالتزامن مع معطيات مماثلة لجأت إليها طهران في العراق من خلال المالكي، أبرزها:   1- “تفقيس” ما يسمّى “سرايا المقاومة” في عدد من المدن مثل صيدا وبيروت، غالبية الذين يدورون في فلكها من أبناء الطائفة السنيّة العاطلين من العمل وبعضهم مطلوب بمذكرات قضائية، إضافة الي “تفريخ” مجموعة من شبيحة الأحياء المطلوبين بدورهم للعدالة أمثال شاكر البرجاوي ومجموعة خالد الدريكي التي أوقفت شعبة المعلومات عدداً من أفرادها منذ فترة.   2- عدم اكتفاء “حزب الله” بالمشاركة في المعارك الدائرة في سوريا ضد قرى ومناطق وبلدات تقطنها غالبية سنيّة وحسب، وإنما عمد بعد احتلال مدينة القصير إلى ترك الباب مفتوحاً أمام انتقال المعارضين السوريين الفارّين إلى منطقة يبرود في القلمون ومحاصرتهم من الخلف (من الجهة السورية) بحيث تبقى ثغرة مفتوحة لهؤلاء المسلحين على الحدود اللبنانية، بطول 70 كلم تقريباً، ما سمح بوجود أكثر من 5 آلاف مقاتل حالياً في تلك المنطقة المفتوحة على جرود عرسال من تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات المسلحة.   إنطلاقاً من هذه الوقائع، تشدد المراجع على وجوب أن يراجع “حزب الله” حساباته وأدواره في استجلاب “داعش” ومخاطرها إلى الحدود اللبنانية، فيبادر إلى الاسراع في اتخاذ قرار وقف كل أسباب الحقن والاحتقان المذهبي والكف عن محاولات خلق بيئة حاضنة للتطرف في الشارع السني اللبناني كما هو الحال في العراق، بغية تبرير إتهام الطائفة السنية زوراً وبهتاناً بأنها بيئة حاضنة للإرهاب، والقياس على فشل كل محاولاته السابقة في هذا المجال ليتيقّن من أنّ مخططه هذا كما فشل في الماضي سيفشل حتماً في المستقبل.   وإذ تعيد التأكيد، بالاستناد الى تقارير استخبارية متعدّدة، على كون تنظيم “داعش” لم يكن في وارد الانتقال إلى لبنان قبل تدخّل “حزب الله” في سوريا، تجدد المراجع التذكير بأنّ النظام السوري الذي كان قد عمد إلى إطلاق القسم الأكبر من كادرات هذا التنظيم من سجونه وتوجيههم للقيام بعمليات أمنية منظمة ضد الجيش الأميركي في العراق بدليل الاتهام المباشر الذي وجهه المالكي نفسه لبشّار الأسد وتوعده بمقاضاته أمام المحافل الدولية، هو نفسه عاد فأطلق القسم الآخر من هذه الكادرات إثر انطلاق الثورة السورية من أجل خرق صفوف هذه الثورة وتشويه صورتها ووضع المجتمع الدولي تالياً أمام مفاضلة بين نظامه وبين هذا الإرهاب الممنهج، لافتةً الانتباه في هذا المجال إلى أنّ أسطع دليل على كون تنظيم “داعش” هو من صنيعة نظام الأسد وحلفائه هو أن مسلحي هذا التنظيم لم يسبق أن تعرّضوا لأي قصف من جانب النظام السوري، لا بل هو يفسح المجال أمام تمددهم وصولاً إلى وضع يدهم على كمية كبيرة من النفط السوري في مناطق نفوذه (الرقّة ومحيطها) حتى أصبح هذا التنظيم يبيع الجزء الأكبر من كميات النفط إلى النظام السوري بقيمة مليون دولار يومياً.   وتختم المراجع بالإشارة إلى أنّ المعطيات المتوافرة لديها من الأجهزة الأمنية تفيد أنّ مجموعة الانتحاريين التي كشف النقاب عنها في الأسابيع الماضية تمّ احتواؤها بصورة كاملة، وهي عبارة عن شبكتين:   - الأولى تضّم انتحاريي ضهر البيدر والطيونة، (الأول كان مقيماً في أحد مخيمات عرسال)، وهما ينتميان الى مجموعة “كتائب عبد الله عزام” (سراج الدين زريقات).   - أما الثانية فتضّم الفرنسي من أصل عربي (جزر القمر) الذي تمّ توقيفه من قبل شعبة المعلومات في فندق نابليون واعترف خلال 24 ساعة بأنه كان مكلّفاً استهداف “منطقة شيعية” لم يكن يعلم مكانها، وانتحاري فندق “دوروي” والآخر السعودي الذي أوقفه الأمن العام، ورابعاً مشغّلاً للشبكة هو منذر الحسن الذي توارى عن الأنظار فور توقيف الاثنين، وخامساً فرّ من لبنان. وقد تبيّن بحسب اعترافات الموقوفين أنّ هذه الشبكة تنتمي إلى تنظيم “داعش”، مع ترجيح أن يكون الحسن والفار الآخر موجودين في جرود عرسال.