ليس خافياً على من يتابع مسار الفكر الشيعي في إيران منذ قرن إلى الآن، وتعرف على فكر المستنيرين من علماء الشيعة هناك من أمثال الشيخ النائيني والشيخ مطهري والشيخ صالحي نجف آبادي، أن ظاهرة السيد علي الأمين ليس إلا امتداداً لذاك التيار والفارق بينهم ليس المنطق والمنهج، وإنما اللغة وللمناسبة ينبغي التذكير بأن السيد الأمين يجيد اللغة الفارسية ويتمكن من مطالعة المصادر الفارسية كما زملاؤة الإيرانيون من العلماء يجيدون العربية.

وفاجأني السيد علي الأمين عند ما نقل لي بأنه لم يكن مطلعاً على تراث الشيخ صالحي نجف آبادي خاصة فيما يتعلق بدراساته وبحوثه المعمقة في تمحيص عقائد الشيعة وإثبات زيف ما بعض المعتقدات الدخيلة التي أصبحت عند العوام وكأنها من الضروريات.

كان الشيخ نجف آبادي من كبار العلماء وتتلمذ علي يده الكثيرون من علماء الشيعة في إيران وکان من رواد التقريب في الممارسة الفقهية وملماً بفقه السنة وحريصاً على نبذ التعصب أمام الفقه السني، ودفع ثمن منهجه هذا، بالإتهامات السخيفة من قبل الجموديين. وكنت أتصور بأن السيد الأمين استفاد من تركة نجف آبادي الفكرية، بينما الحقيقة، أن هناك توارد في منتوجاتهما الفكرية، بفعل وحدة المنهج والرؤية.

هذا في مجال العقدي، وأما في البعد السياسي، يبدو أن هناك توارد بين فكر السيد الأمين وزملاؤه المستنيرين في إيران، ليس من المثقفين فحسب بل من رجال السياسة أيضاً. وشاهدي على هذا تصريحات الشيخ هاشمي رفسنجاني الذي يتحفظ كثيراً في اختيار كلماته كونه رجل الدولة، ولكن بين حين وآخر تراه مضطراً للتعبير عن بعض ما في ضميره، نتيجة تفاقم الأوضاع السياسية في المنطقة.

دعى الشيخ رفسنجاني خلال حفل الإفطار الذي شارك فيه جماعة من رجال الدين، دعى علماء الدين بالتجنب عن طرح القضايا المثيرة للإنشقاق، وصرّح بأن موضوع الخلافة ذهب أدراج التاريخ ولا ينبغي النقاش عليها، ثم تطرق رفسنجاني إلى التطرف الذي يعاني منه المسلمون الشيعة والسنة في العراق قائلاً " لوكان قلوب الشعب العراقي مع الحكومة لكان داعش يتوقف ولا يتمكن الحصول إلى هذه الإنتصارات واحتلال الموصل.

هذا غيض من فيض الشيخ رفسنجاني الذي يدعو إلى التقريب والتعاون والتضامن بين الشيعة والسنة وبين إيران والسعودية، وتوحيد الصفوف أمام المتطرفين ويؤنب متطرفي الشيعة ويتهمهم بأنهم يوفرون وقود نيران الفتن كما المتطرفين من السنة.
وما أشار إليه الشيخ رفسنجاني قبل يومين، قد قاله السيد الأمين، سابقاً من أن "ضعف دول المنطقة وعدم ترسيخها لمنطق المساواة، بين المواطنين في الحقوق هو ما يفتح النافذة للتدخلات الخارجية التي تشجع على حالة التصارع المذهبي في المنطقة تحت شعار الحريات وحرمان لطائفة أخرى، وبذلك يضعفون الجميع وبشغلون الأمة بعضها بالبعض ألآخر."
كلام السيد الأمين هذا يصدق على سوريا والعراق ويُظهر أنه حريص على حياة المسلمين وحقوقهم ليس من منطلق السياسي، بل من موقع إنساني.
خلاصة القول إن آراء السيد علي الأمين لا يمثل قطيعة أو انقطاعاً مما عليه زملاؤه في قم وطهران والنجف. إلا أن السيد الأمين لا يحميه إرادة سياسية وزملاؤه محميون إلى حد من التهم والهجوم وإلا القضية نفس القضية والفكر نفس الفكر. وما يثير القلق هو أن البعض يتأخر في الإفصاح عن آراءه حتى يتطلب مقتضيات الأمن القومي، بينما الآخرون من أمثال السيد الأمين يسبقون الأحداث المأساوية ويطلقون صفارة الإنذار قبل اشتداد الأزمات.