أوحى الهجوم العنيف الذي شنه الرئيس نجيب ميقاتي على «تيار المستقبل» على خلفية قيام أهالي موقوفي روميه بقطع الطرقات في طرابلس، ومحاولة «المستقبل» تحميل ميقاتي مسؤولية ما يجري، أن رئيس الحكومة السابق قد بدأ بتطبيق الخطة «ب» في التعاطي مع «التيار الأزرق» والتي تقضي بمواجهته «على القطعة» أو»عندما تدعو الحاجة»، وليس الدخول معه في مواجهة مفتوحة لم يحن أوانها بعد، خصوصا أن الاستحقاقات السياسية من انتخابات وغيرها ما تزال في علم الغيب، والوضع لا يحتمل مزيدا من التأزيم.
لذلك فان ميقاتي ضرب ضربته من خلال التصريحات التي أطلقها في طرابلس، مكتفياً بها في انتظار ما ستسفر عنه من ترددات، وذلك على قاعدة «وإن عدتم عدنا»، ولكن هذه الترددات ترجمت بوضوح على مواقع التواصل الاجتماعي التابعة للتيار الأزرق والتي تشهد مزيدا من الهجوم عليه في إطار الحملة المفتوحة التي انطلقت في 25 كانون الثاني 2010، والتي يرد عليها أيضا مناصرو «تيار العزم».
لطالما سمع نجيب ميقاتي عندما كان في رئاسة الحكومة مناشدات من أنصاره بضرورة تغيير نمط تعاطيه مع تيار «المستقبل»، فضلا عن تلقيه نصائح عديدة تؤكد له «أنه لو أضاء أصابعه العشرة لتيار المستقبل فانه لن يقبله شريكا في المعادلة السياسية، لأن من سعى الى اقفال بيت سليم الحص، والى تطويع تمام سلام، والى محاربة عمر كرامي، والى استفراد محمد الصفدي، لن يرضى بنجيب ميقاتي ندا سياسيا وسنيا له، مهما كانت الظروف والمعطيات».
وكان ميقاتي في حينها يؤكد أنه ينأى بنفسه عن الدخول في مواجهة مع «المستقبل»، أو مع أي طرف سياسي آخر، لأنه يحمل مسؤولية البلد بكامله كرئيس للحكومة، ولا يريد أن يتسبب بأية إشكالات إضافية.
بعد خروج ميقاتي من الحكم وتحرره من المسؤوليات التي كانت تقيّده، وبعد الخطوات المتقدمة التي قام بها تيار «المستقبل» على صعيد التوافق مع «حزب الله»، والتي سبق فيها ميقاتي بأشواط من أجل الوصول الى حكومة المصلحة الوطنية، فوجئ رئيس الحكومة السابق بأن شيئا لم يتغير، وأن «النواب الزرق» يواصلون حملتهم عليه، حتى أن بعضهم خصص جلسة مناقشة البيان الوزاري لحكومة «المصلحة الوطنية» من أجل مناقشة عهد الحكومة «الميقاتية» والطعن فيها.
أمام هذا الواقع، وجد ميقاتي أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم، فأضاء في أكثر من مناسبة طرابلسية على ما قام به تيار «المستقبل» في سبيل «الوصول الى كرسي الحكم، وكيف انقلب على كل المبادئ والشعارات التي كان ينادي بها»، وأكد أنه «من الآن وصاعدا لن يسكت عن ظلم، وسيرد على كل افتراء، وسيضع النقاط على الحروف في كل مسألة»، وقد باشر ميقاتي في هذا السلوك الجديد الذي ساهم في شد عصبه، وأعطى طرابلس حيوية سياسية كانت حتى الأمس القريب تفتقدها.
ويقول مقربون من ميقاتي لـ«السفير»: «إن استمرار الهجوم عليه بهذا الشكل العنيف، مرده الى الاحصاء الذي أجري مؤخرا وأظهر تراجعا مطردا لتيار المستقبل، مقابل تقدم ملحوظ لميقاتي. ويضاف الى ذلك، الرفض التاريخي لتيار المستقبل بأن يكون له ضمن طائفته ند سياسي يقاسمه القاعدة الشعبية، لذلك فان الهجوم الأزرق لن يتوقف ولا بد من مواجهته بمنطق العقل والحكمة».
ويضيف هؤلاء: «الرئيس ميقاتي ليس من هواة المعارك ولا السجالات، ولا يريد تعميق الخلافات، لكنه لن يسكت عن حقه بعد الآن، وسيواجه بشراسة كل من يسعى للنيل منه أو من طرابلس»، لافتين النظر الى أن ما شهدته المدينة من توترات مؤخرا، «هو محاولة من تيار المستقبل لتغطية الفشل في الاتفاقات التي صاغها قبل قيام قادة المحاور بتسليم أنفسهم الى الأجهزة الأمنية، وعلى التيار أن يعلم أنه لم يعد بامكانه رمي نتائج إخفاقاته على غيره، لأنه ستتم مواجهته بالحجة والبرهان».
أما مصادر في تيار «المستقبل» فتقول لـ«السفير»: «إن المواجهة مع ميقاتي مستمرة ومفتوحة منذ انقلابه على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري، ونحن نعتبره من المنظومة التي تسعى الى محاصرة تيار المستقبل، خصوصا أنه هو من بدأ بالانقلاب علينا ومحاربتنا، وما نقوم به اليوم هو رد فعل على الخطوات التي يأخذها ضدنا».
وتضيف هذه المصادر: «إن تيار المستقبل يتعرض لحملة شعواء من أنصار ميقاتي، ولن نسكت على كل الافتراءات والاتهامات التي تساق ضدنا».