تصاعدت منذ أيام وتيرة «التمنيات« الدولية بضرورة ملء الشغور الرئاسي، مع ارتفاع حدة التطورات الاقليمية والثغرات الامنية الحاصلة في لبنان. لكن منسوبها لم يعلُ الى مستوى «تشجيع»الاطراف الداخلية على إنجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن، على الرغم من زيارة أكثر من مبعوث دولي للبنان وتناوله هذا الملف، ولعل أبرزهم وزير الخارجية الاميركي جون كيري، ناهيك عن الحراك الفاتيكاني والفرنسي المتواصل منذ ما قبل 25 أيار. وينقل متابعون للملف الرئاسي أن الدبلوماسيين الاجانب في لبنان يسرون في آذان من يحمّلونهم رسائل الى مراكز القرار الدولية، بضرورة حث الاطراف اللبنانية على انتخاب رئيس، بأن بلادهم لديها إرادة على مساعدة لبنان، لكنهم غير قادرين على تجاوز المعطيات اللبنانية والإقليمية تجاه هذا الملف.
هذا الحراك الدولي قابله تطور داخلي قد يؤشر الى إعادة خلط الأوراق حول الاستحقاق، ويبين مدى قدرة بعض الأطراف الداخلية على التمسك بحساباتها الخاصة تجاه الرئاسة الاولى. فقبل 48 ساعة من موعد الجلسة الثامنة لانتخاب رئيس جديد، أطلق رئيس تكتل «التغيير والاصلاح« النائب ميشال عون مبادرته لتعديل دستوري «محدود« لانتخاب رئيس للجمهورية مباشرة من الشعب، ما يعني أن إتمام الاستحقاق الرئاسي يحتاج الى حلقات مترابطة من الاتفاقات الدولية والإقليمية والداخلية على السواء. 
هذا الرأي يوافق عليه عضو كتلة «المستقبل« النائب عمار حوري لكنه يلفت «إلى ان اللبنانيين مطالبين أولاً بالاستجابة الى مقتضيات الاستحقاق الدستوري قبل التوجه الى الآخرين، سواء أكانوا أطرافاً داخلية أم إقليمية لتوجيه نصائح الى لبنان»، ويعتبر «أن تعطيل الاستحقاق الرئاسي هو نتيجة تعطيل حزب الله للنصاب، وما يحصل اليوم هو أن جزءاً كبيراً من القوى السياسية تقوم بدورها بتأمين النصاب، ومن يعطل هو جزء آخر من هذه القوى وعلى رأسها حزب الله».
تحميل الداخل اللبناني مسؤولية عدم انتخاب رئيس، هي النقطة التي ينطلق منها عضو كتلة «المستقبل« النائب أمين وهبي أيضاً ويشرح ذلك بالقول: «الداخل اللبناني مقسوم تجاه الاستحقاق الرئاسي الى قسمين، فقوى 14 آذار حرصت على احترام هذا الاستحقاق وقدّمت مرشحها، وأعربت عن رغبتها بالتعاون مع الطرف الآخر لإيجاد مخرج ويقول ما لديه، كما أطلق المرشح الرئاسي سمير جعجع مبادرته التي تقوم إما على التنافس الديمقراطي داخل المجلس النيابي، أو الاتفاق على مرشح توافقي أو الاستعداد لمعرفة طرح قوى 8 آذار، في حين أن حزب الله والتيار الوطني الحر يصرّان على تعيين رئيس ويدعواننا للموافقة عليه، وحزب الله لا يتعاطى مع الحرص الدولي لإنجاز الاستحقاق بمسؤولية، بل وفقاً لمنطق المحاور الإقليمية التي تتحكّم بالمنطقة، والهوس بالسلطة والإرادة الإيرانية باستخدام هذه الرغبة وتوظيفها لمصالحها». 
أما المستشار الدبلوماسي للرئيس ميشال سليمان السفير ناجي أبي عاصي فيرى أن «الاستحقاق الرئاسي تتحكم به ثلاث دوائر هي دولية وإقليمية وداخلية«، ويضيف: «صحيح أن هناك نية دولية حقيقية للدفع باتجاه انتخاب رئيس، لكنها ليست صاحبة النفوذ الأقوى لحسم هذا الاستحقاق كما كان يحصل في السابق، وما يجري اليوم هو أن هناك قوى داخلية تقاوم هذا الضغط، في وقت أن القوى الإقليمية غير متوافقة على رؤية واحدة تجاه الاستحقاق، وبالتالي لا يمكن الفرض على النائب عون اسم رئيس أو تغيير رأيه تجاه الاستحقاق، وبالتالي فالقوى المؤثرة حالياً هي قوى إقليمية أكثر من القوى الدولية، وما يحتاجه إنجاز الاستحقاق هو طريقان، إما توافق مسبق بين القوى الاقليمية والدولية على اسم رئيس، والضغط على القوى الداخلية لتبنيه وهذا ما لم يحصل الى الآن، أو الاتفاق بين الأطراف اللبنانية على إنجاز الاستحقاق بعيداً من التدخلات الخارجية وهذا غير متبلور الى الآن أو سيبقى الفراغ قائماً«.
ويوافق السفير عبدالله بو حبيب على أن المتغير الإقليمي والداخلي أكثر تأثيراً على الاستحقاق الرئاسي، من الرغبة الدولية بانتخاب رئيس، ويقول: «ليس هناك عجلة لدى الأطراف اللبنانية لانتخاب رئيس في حين أن الاطراف الاقليمية غير مهتمة بما يحصل في لبنان، طالما أن الاستقرار السياسي موجود والفجوات الامنية التي تحصل لا يقوم بها لبنانيون، وبالتالي فالشغور الرئاسي لن يؤدي الى خلاف بين اللبنانيين».
يضع بو حبيب التمنيات الاميركية لانتخاب رئيس جديد «ضمن إطار سياستهم في المنطقة«، لافتاً الى أنهم «لا يشجعون القوى الداخلية لإنجاز الاستحقاق أو يضعون الملامة على أي طرف، بل إنهم يؤكدون حرصهم على انتخاب رئيس لكنهم في الوقت نفسه يتفهمون ما يحصل في لبنان والمنطقة«، ويضيف: «يمكن القول إنّ الأطراف الداخلية ليست على عجلة في إنجاز الاستحقاق، والقوى الإقليمية هي الاكثر تأثيراً لإنجازه«. 
ليس من المبالغة القول إن التأثيرات الخارجية لطالما كانت مرافقة للاستحقاق الرئاسي قبل الطائف وبعده، وهذا ما يؤكد عليه السفير خليل مكاوي الذي يلفت إلى أن «الانتخابات الرئاسية في العام 1970 كانت صناعة لبنانية، وفي ما عدا ذلك فإن هذه الانتخابات تتأثر بالضغوط والتدخلات الخارجية من مختلف الأطراف الإقليمية». 
ويقول: «إذا بقيت كل الأطراف الداخلية على موقفها بعدم الاتفاق ولا سيما الأطراف المارونية، فإن ذلك سيزيد إمكانية التدخل الخارجي لأن هذه الأطراف تتأثر بضغوط من هنا وهناك، ولا شك أن التدخل الخارجي سيكون أقوى لكن الخارج لا يمكن أن يفرض مرشحه إلا بقبول جميع الأطراف، ولا يمكن لفريق واحد أن يفرض رأيه بمساعدة الضغوط الخارجية، بل يجب أن يكون هناك القليل من التوافق الداخلي حتى يدفع الخارج باتجاه حصول الانتخابات الرئاسية، وأشك في أن يثمر التشجيع الدولي في ظل هذه الظروف، وهذا أمر معيب. فالشعب اللبناني يستحق أفضل من ذلك، وآن الاوان للمجتمع المدني أن يشكل ضغطاً على الافرقاء السياسيين للنزول الى المجلس النيابي لانتخاب رئيس، لكن الأمور لا تزال غير مهيأة داخلياً وإقليمياً والمطلوب هو حصول هبّة شعبية لتضع السياسيين تحت ضغط الشارع للمسارعة الى انتخاب رئيس جديد«.
يربط كل من حوري ووهبي إنجاز الاستحقاق اللبناني، بما يحصل من تطورات إقليمية ولا سيما بين إيران والغرب، إذ يلفت حوري «إلى أن النصائح الدولية من الخارج لن تغير في الوضع اللبناني الحالي، بل إن المتغير الذي يمكن أن يحصل هو بيد حزب الله الذي يربط الاستحقاق بالوضع الاقليمي بشكل واضح ومحسوم، وبالتالي فهذه النصائح لن تلقى صداها على الساحة الداخلية، لأن الامور لم تنضج بعد إقليمياً ودولياً لملء الشغور». 
يوافق وهبي على»أن الرغبات الدولية لن تؤتي ثمارها إلا إذا وجدت إيران أن لها مصلحة في إتمام الاستحقاق، عندها توعز لحلفائها بملاقاة هذا الحراك الدولي، علماً أن الأمور غير ناضجة حالياً، وأي تقدم للمفاوضات القائمة بين إيران والغرب يمكن أن نجد له صدى في الاستحقاق الرئاسي».

باسمة عطوي