بدأ الحكم العثماني مع دخول جيشه إلى سوريا، بقيادة السلطان الأول في عام 1615، بعد معركة مرج دابق شمال حلب، ليتابع السلطان المنتصر زحفه جنوباً وشرقاً وغرباً، إلى أن خضعت معظم الدول العربية آنذاك للسيطرة العثمانية، وكان انتهاء حكم العثمانيين مع نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918. ساد الهدوء والاستقرار النسبي في شرق المتوسط لأكثر من نصف قرن في فترة الحكم العثماني الأولى، فقد تزامن وجود ولاة أكفاء تداولوا السلطة مع وجود سلاطين كبار كالسلطان سليم الأول وابنه سليمان القانوني، فقد وصلت الدولة العثمانية في عهدهما إلى أوجها، وأطلق على تلك الفترة بالعصر الذهبي. هذا ولم ينصب اهتمام السلاطين بالعلم والتعليم، بل اهتموا بالجيش، فهو الأداة الرئيسية للفتوحات، واحتلال أراض جديدة، وضم مدن إلى الامبراطورية العثمانية، وحمايتها من الأخطار المحدقة بها، وبذلك عانت الولايات والمناطق التي رزحت تحت حكمها للجهل والفقر، فلم تبنَ المدارس إلا في المدن الكبرى كدمشق وحلب، وغلب عليها الطابع الديني، أما الولاة فقد اهتموا ببناء المنشآت العمرانية والمساجد والخانات. إلا أن هناك أحداثاُ هامة وتحولات كبرى تعاقبت منذ مطلع القرن التاسع عشر، أيقظت المشاعر وفتحت الأبصار على واقع الشعوب الأليم ومعاناتها المريرة، ومما لاريب فيه دور الثقافة الغربية في اليقظة الفكرية، حيث لعبت دوراً بارزاً في ظهورها أيضاً. أما أهم الأحداث التي كان لها شأن في التطور الفكري والاجتماعي في سوريا فهي: حملة نابليون على مصر لفترة حكم قصيرة لم تزد عن الثلاث سنوات (1798-1801)، ادت هذه الحملة كافية لأن “تفتح عيون المصريين وبالتالي العرب على واقعهم المرير المظلم الذي يتخبطون فيه، وتُحدث فيهم من الناحية الثقافية هزة قوية، تنهضهم من سباتهم العميق، “وكان أن شرع العرب بعدها يعملون ويفكرون” كما قال أديب مروة. ومن ثم حملة محمد علي باشا على سوريا (1831- 1840)، حيث قام والي مصر محمد علي باتباع سياسات اصلاحية هناك، فقد نظم الجيش وأقام مدارس حديثة، وأرسل البعثات العلمية إلى الغرب ونشّط حركة الطباعة والترجمة، فنشأ الأدب العربي الحديث وبالتالي الصحافة العربية الحديثة في القرن التاسع عشر. واتت البعثات التبشيرية والمدارس التبشيرية في خلق حركة فكرية ناهضة، وما نجم عنها من إنشاء مدارس تابعة لها، فقد أقبل عليها الطلاب العرب، ونبغ منهم في وقت قصير عدد من الأدباء والمفكرين، كان لهم الريادة في بعث النهضة الفكرية في شرقالمتوسط مما أوثق الصلة بين الشرق والغرب من خلال حركة الترجمة والتأليف. وفتحت أبواب التعليم واستلهم العرب معاني الحرية القادمة من الغرب في وقت أحكم فيه العثمانيون الخناق والحصار على التعليم وحاولوا حجب الوعي والفكر عن العقول. وكان دور الجمعيات الفكرية العربية المتنامية قد ادت في الخفاء لبث الوعي والفكر القومي لنهوض الشعوب العربية. ومع بداية هذا النهوض، كان نهوضا اخر قد بدأ في الضفة الشرقية من بحر العرب او البحر الفارسي كما هو مُتداول في العالم. وكانت بداية سلخ منطقة الأحواز في العام 1925م، وكان اعتقال أمير الأحواز الشيخ خزعل بن جابر الكعبي، مقدمة لاحتلال الأحواز وإسقاط سيادتها العربية وضمهما فيما بعد الى خارطة إيران بعد ان تم تغير اسمها وجميع معالمها التاريخية والحضارية العربية في إطار خطة هيمنة فارسية عنصرية، وقد ساعد مملكة بلاد فارس آنذاك، صمت معظم الرأي العام العربي المنشغل بقضاياه الداخلية وتواطئ المجتمع الدولي، مما ادى الى ظهور خارطة جغرافية سياسية جديدة للمنطقة العربية، نتابع فصولها اليوم بعد رحيل جيل السبعينات من قادة هذه الدول وترحيل المتبقي منها. ويأتي الحدث السوري بعد ان تطور من مظاهرات سلمية في دمشق وطرطوس واعتقال اطفال درعا بين التظاهرتين، لتنقلب الحال السورية لتتحول الى قتال دامِ مُفتعل شارك ويشارك فيه كل من وما هبّ ودبّ من كائنات حية واشباهها … ونتابع الأحداث وبالأخص خلال العامين الماضيين، فقد تغيرت الأحداث فجأة مما جعل البعض من الناس، يشك بمصداقية التحول الديموقراطي بعد تشكيل ما يُسمى داعش اي الدولة الإسلامية في العراق والشام للتحول الى خطر يستشري فتتحول من حامي وراعي للمصالح الحيوية الأمريكية في حدود سيطرتها من خلال تعميم ونشر الفوضى وتحويل الصراع بين نظام وشعب في سوريا الى كما يسميه البعض بالحرب الأهلية المرعبة في سوريا نفسها وزعزعة استقرار لبنان والأردن والعراق. فجأة، وبعد ايام من دخول داعش الموصل بدأ البعض باستخدام القوة أماكن تواجد او انسحاب عناصر داعش، بينما تقوم قواتها بزرع الرعب بعد احتلال المدن الواحدة تلو الأخرى وهاهي تقترب من بغداد أكثر من أي وقت مضى. ولكنها ليست وحدها بل تساعدها فلول جيش صدام العراق المختفي والمؤلف من مئات الضباط بقيادة احد رموزه وهو عزة الدوري الرجل الثاني إبان حكم صدام حسين حيث شغل مركز نائب رئيس مجلس قيادة الثورة وقبلها عدة مناصب من بينها منصب وزير الداخلية ووزير الزراعة.وقد اختفى عزة الدوري بعد احتلال العراق، والذي أعلن حزب البعث العربي الاشتراكي (قطر العراق) أنه تسلم منصب الأمين العام للحزب خلفًا لصدام حسين بعد إعدامه او إعدام شبيهه كما يُشاع احيانا. وربما يكون تسليم الموصل لداعش ما هو إلا مبررا للحكومة العراقية لأن تطلب المساعدة باستخدام القوة من الخارج كما يتوقع البعض وهذا امر مشروع وفقا للقانون الدولي. وهنا نرى ربما يكون الجانب القانوني الدولي، هو وسيلة متوقعة لمواجهة التهديد الخطر للسلام والأمن العالميين، في المنطقة من خلال فرض شروط جديدة على منابع تصدير العنف من جميع الدول المشاركة بشكل مباشر او غير مباشر في تعميم الفوضى. وهذا هو الحل الوحيد للخروج من الفراغ السياسي القاتل والذي يجب العمل على ملئه بدولة تكنوقراط ليبرالية بديلة عن كامل الأنظمة القائمة اليوم وعلى ارض الرابع من حزيران للعام 1967م.