استطاع كاي بيرد، الفائز بجائزة Pulitzer وصاحب كتاب "The Good Spy" أن يحصد الكثير من الثناء على وصفه المتكامل للعمليات السرية التي قامت بها الاستخبارات المركزية الأميركية CIA في الشرق الأوسط. ويكشف بيرد من خلال سيرة حياة الخبير الإقليمي في الـ CIA روبرت "بوب" آمس، التي أجاد روايتها كما هي بعد أن قام بالكثير من الأبحاث، كما يكشف العديد من الحقائق الصادمة، لا سيما لجهة مصير الامام موسى الصدر وعماد مغنية. موقع NOW تحدّث الى بيرد حول كتابه، ودراساته، ودروسه عن العالم السري في الشرق الأوسط.


- وصف روبرت باير، العميل السابق الشهير في الـ CIA وأحد الكتّاب الأكثر مبيعاً، كتاب "The Good Spy" كأفضل كتاب سبق له أن قرأه عن الجاسوسية، زاعماً أنّه يجيد بحنكة القبض على أسرار الـ CIA. هل بإمكانك أن تخبرنا عن طبيعة مصادرك وكيف تمكّنت من الحصول على معلومات كانت تُعتبر سريّة؟
كاي بيرد: في البدء، لم أعتقد أني أستطيع أن أكتب سيرة حياة كاملة لأحد ضباط الـ CIA السرّيين. فمن ذا الذي سيتحدّث إلي؟ والكثير من الأمور سوف تُعتبر سريّة [لا يمكن البوح بها]. ولذلك بدأتُ بحثي معتقداً أني سوف أحصر هذا الكتاب بقصة تفجير السفارة في بيروت.
ولكنّي بعد ذلك عثرتُ على أرملة آمس، إيفون، وهي لم يسبق لها أن تحدّثت الى أي صحافي، ولكنّها قرّرت أن تمنحني مقابلة. أمضيتُ نهاية الأسبوع معها وقمت بمقابلة مع اثنين من أولادها الستة. أعطتني صوراً ومن ثمّ 150 صفحة من الرسائل التي كتبها آمس لها. وعثرتُ كذلك على بعض زملاء آمس في الـ CIA المتقاعدين- وأحالوني بدورهم الى 40 ضابط CIA آخرين متقاعدين. الجميع أرادوا الحديث عن آمس. أرادوا أن يخبروا قصته. ولم يكترثوا لكونهم يفشون أسراراً تعود الى 30 أو 40 عاماً. وبالتالي فقد كنتُ محظوظاً لكوني طرقتُ أبوابهم في الوقت المناسب.
خلال احدى مقابلاتي مع أحد ضباط الموساد المتقاعدين، حاولتُ أن أثير اهتمام هذا المصدر المحتمل للمعلومات من خلال القول إني أعرف مسبقاً الكثير عن علاقات الـ CIA في الشرق الأوسط. وفي النهاية قاطعني هذا الضابط المتقاعد وسألني "هل ستسمح لك حكومتك فعلياً بأن تنشر كل هذه الأسرار؟" ضحكتُ وشرحتُ له بأنّنا في أميركا لا يوجد لدينا قانون لحماية الأسرار القومية على غرار الحال في بريطانيا.


-نقلاً عن لسان أحد ضباط الموساد، تذكر في كتابك أنّ الرجل الذي بنى، وطوّر، وأسّس "حزب الله"،  العميد الإيراني علي رضا أصغري، يخضع للوصاية الأميركية وهو موجود في الولايات المتحدة منذ انشقاقه عن النظام الإيراني عام 2007. هلاّ أطلعت قراءنا على كيفية وضع الولايات المتحدة يدها على الجنرال أصغري. وهل لك أن تشرح لنا كيف ساهمت المعلومات الاستخبارية التي قدّمها في اغتيال عماد مغنية وفي عمليات سريّة أخرى؟
بيرد: تحدّثت الكثير من الروايات الصحافية عن انشقاق علي رضا أصغري في شباط 2007. وقد تكون الرواية الأكثر تفصيلاً هي تلك التي وردت في در شبيغل. ولكن ثمة روايات عن الموضوع ظهرت في الواشنطن بوست وفي الغارديان.
منذ نشر كتابي، نفت الـ CIA "نفياً قاطعاً" أن تكون لها أي علاقة في "تدبير" عملية انشقاقه. وبالفعل فعلى الأرجح أن يكون أصغري هو من نظّم عملية انشقاقه. أعتقدُ أنّهم أخذوا منه المعلومات في أحد المنازل الآمنة التابعة للـ CIA في منطقة واشنطن العاصمة عام 2007. وإن بقي في أميركا، قد يكون مُنح حق اللجوء السياسي بموجب القانون العام 110، الذي يسمح للـ CIA بإحضار ما يصل الى 100 فرد سنوياً الى الولايات المتحدة، بدون الخضوع لأي من قوانين الهجرة الأميركية- أو أي أسباب قانونية أخرى يمكن أن تمنع أي شخص من الحصول على تأشيرة دخول الى الولايات المتحدة.
ولكنّنا لا نعلم أين هو أصغري اليوم. فالحكومة الإيرانية تصرّ على أنّه خُطف على يد الموساد أو الـ CIA. من الواضح أن هذا الكلام يثير الضحك. ذلك أنّ النظام الإيراني قام بإقصائه وبالتالي فقد انشق عنه. وأذكر كذلك في "The Good Spy" (الصفحة 401) أنّه قام في ربيع 2013 بزيارة لايشندام في هولندا، "حيث أدلى بشهادة أمام المحكمة الخاصة بلبنان، المخوّلة من قبل الأمم المتحدة التحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري عام 2005". إن كان أصغري موجوداً في هولندا، فمن الواضح أنه كان هناك بالتنسيق مع الاستخبارات الغربية.
أما في ما خصّ مُغنية، فأذكر كل من روبرت باير، ورونين برغمان، ومصادر أخرى تكهّنت بأنّ أصغري منح على الأرجح الـ CIA معلومات عن مغنية- مثل رقم هاتفه الجوّال. كما أنّ أحد مصادر وزارة الدفاع الألمانية كشف أن أصغري قدّم أدلة للاستخبارات الغربية حول التمويل الإيراني للتكنولوجيا النووية التي حصلت عليها سوريا من كوريا الشمالية. وقد تكون هذه المعلومات الاستخبارية ساهمت في الضربة الجوية الإسرائيلية للمفاعل النووي السوري.


-يطرح كتابك كاحتمال في البداية، رواية مفصلّة عمّا حصل للإمام موسى الصدر، قائد شيعة لبنان المبجّل الذي اختفى في ليبيا عام 1978 في ظل ظروف غامضة. هل تعتقد أنّ المعلومات التي تتحدّث عن ضلوع السيّد محمد بهشتي، كبير مساعدي المرشد الإيراني آيه الله الخميني، بإصدار أوامره بقتله هي معلومات موثوقة؟ هل لك أن تخبرنا بالتفصيل عمّا حدث للصدر حسب روايتك وعن الدوافع وراء ذلك؟
بيرد: جاء في كتاب "The Good Spy" أنّ حسن سلامة من منظمة التحرير الفلسطينية- رئيس استخبارات عرفات ورئيس القوة 17- كانت لديه معلومات استخبارية مفصّلة عن اختفاء الإمام موسى الصدر. وخلصت تحقيقات سلامة الى أنّ آية الله بهشتي كان متورطاً الى حد كبير في مصير الإمام. كان بهشتي خصماً للإمام موسى الصدر في السياسة وفي الرؤيا الدينية، وبالتالي فإنّ هذه النظرية تبدو منطقية الى حد ما. فبهشتي والإمام الصدر كانا مختلفين حول قضايا دينية أساسية، مثل دور السلطات الدينية في ممارسة السلطة السياسية. حيث كان الإمام موسى الصدر يشكّل عقبة أمام رؤية بهشتي حول تصدير ثورة الخميني الى أماكن مثل لبنان الذي توجد فيه طائفة شيعية كبيرة.


-في كتابك يُحتفى بعميل الـ CIA في الشرق الأوسط، بوب آمس، لأنّه كان أول من فتح قناة تواصل بين الـ CIA وحسن سلامة، الرئيس الأمني لمنظمة التحرير الفلسطينية المخيف والمسؤول عن العديد من العمليات الإرهابية، بينها عمليات على مواطنين أميركيين. فهل قاسم سليماني، رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، هو حسن سلامة الجديد؟ هل تقوم الـ CIA بصفقات مع إيران حول الوضع في سوريا، ولبنان، والعراق بغض النظر عن حلفاء الولايات المتحدة؟
بيرد: هذا السؤال يتخطّى خبرتي كمؤرخ. أنا أكتبُ عمّا حدث قبل عقود. ولكن نعم مسؤولو المخابرات يتحدثون الى أشخاص دبلوماسيين ممنوعين من الحديث اليهم لأسباب سياسية.


-كتابك "The Good Spy" حافل بالمعلومات المثيرة حول عمليات سرية حدثت في الشرق الأوسط. فما هو الحدث الذي لم تورده في كتابك؟ هل هناك أي مواد مهمة تمتلكها ولم توردها في كتابك وترغب في إطلاع قرائنا عليها؟
بيرد: كل سيرة حياة ليست سوى رواية مجزوءة. فالكاتب لا يستطيع أن يخبر القصة الكاملة لحياة أي شخص ويذكر كل ما حصل معه في كل الأوقات. وبالتالي يمكنني القول إنّ هناك العديد من الثغرات في روايتي لسيرة حياة روبرت آمس الشخصية والمهنية. فأنا مثلاً لم أحصل على أي تعاون من الـ CIA معي، وبالتالي وباستثناء مجموعة قليلة من الوثائق السرية الموجودة في مكتبة ريغان الرئاسية، لم أستطع الوصول الى أي سجلات رسمية لآمس في الـ CIA. وليس لدينا سوى معلومات محدودة جداً حول ماذا نصح إدارة كارتر حيال اتفاقات كامب دايفد بين 1978-1979.


-ما هي الخلاصات التي تأمل بأن يستخلصها قراؤك في الشرق الأوسط من كتابك؟
بيرد: آمل أن يدرك قرائي في بيروت ومصر من خلال "The Good Spy" أنّ الحكومة الأميركية ليست وحدة متراصة ومتناغمة. فروبرت آمس كان مؤيداً لطموحات العالم العربي ومتعاطفاً مع مشاكله المستعصية. فقد تعاطف مع محنة اللاجئين الفلسطينيين. وحاول جاهداً أن يحث حكومته على الحديث الى الفلسطينيين- وأن يجعل الفلسطينيين يحققون طموحاتهم من خلال تفاوضهم مع الإسرائيليين والوصول معهم الى نوع ما من التسوية السياسية. وفي النهاية، فشلت مساعيه. ولكن يجب أن نحيّيه لأنه حاول. فآمس آمن، ربما بسذاجة، بأنّ الشرق الأوسط يمكن أن ينعم يوماً ما بسلام حقيقي. وأنا بدوري يحلو لي الاعتقاد بأنه كان صاحب رؤية مستقبلية وبأنّ هذه المنطقة المضطربة من العالم سوف تصبح يوماً ما مزدهرة وتتمتّع بالديمقراطية.