سقوط مدن عراقية بيد داعش خلال الأيام القليلة الماضية كان مفاجأ للجميع، حيث أن العراق ومنذ سقوط صدام حسين لم يشهد حتى اللحظة حدثاً مماثلاً. وبغض النظر عمن هو المستفيد في هذه الأحداث، يمكن القول بأن المسؤول الرئيسي لوصول العراق إلى هذه النقطة من الإنحطاط والإتفلات الأمني والعسكري هو حكومة نوري المالكي، التي أثبتت بأنها لا تملك أذناً مصغية للنصائح وليس لديه مشروع أكبر من البقاء على السلطة ولو على حساب البلاد

ولو لم نقبل بالرؤية التي ترى في هذه الأحداث مؤامرة من قبل المالكي لتبرير بقائه على السلطة كرئيس الوزراء، فمن الطبيعي تحميله مسؤولية الفشل في تحسب الأوضاع الراهنة والرجل الذي يحلم بالإستمرار في منصب رئاسة الوزراء، يجب أن يقدم إجابة مقنعة على الأسئلة الموجهة له وأهمها هو سرّ هزيمة جيشه وهروبه أمام مقاتلين لم يتجاوز عددهم ألفين شخصاً.

والسؤال التالي هو أنه إذا كان حصيلة التحالفات السرية والمعلنة مع أطراف خارجية وخاصة مع الحرس الثوري الإيراني هي انهيار الجيش، فكيف يمكن الثقة بهذه الحكومة ورئيسها الذي يلح على الإستمرار. ولم ينس  العراقيون وعد المالكي قبل ستة أشهر بتمشيط الأنبار من الداعش بينما لم يتمكن من إنجازه بل خسر مناطق واسعة من محافظات أخرى وأهمها ثاني المحافظات العراقية، أي الموصل

يرى الكثير من المراقبين والخبراء والسياسيين بأن الفساد المستشري على أجزاء الحكومة وإخفاق الحكومة على تحقيق تضامن داخلي وفشلها في مكافحة الفساد، أدى إلى استياء الشعب وعدم ثقته بالحكومة وهذا هو السرّ في الإحتضان الشعبي مع جماعة الداعش الزاحفة.

الإستفراد في السلطة واستغلال الموارد أي الفساد المالي والإستبداد السياسي والإستقواء بقوى خارجية، يلخص تجربة المالكي كما يوضح سرّ فشله في جميع المجالات

فها هو الذي سبق له وأن حذّر قبل أشهر قليلة بعض المراجع غير العراقيين -وكان يقصد السيد السيستاني- من التدخل في الشؤون العراقية، وعبر عنه بأنه تدخل غير مقبول، يجد نفسه الأن مضطراً لأن يشكر موقفه الداعي للمقاومة أمام داعش.

وجاء ذاك الموقف القاسي من قبل المالكي رداً على  السيستاني عند ما أغلق باب منزله أمام السياسيين الحكوميين العراقيين احتجاجاً على الفساد المستشري بينهم أو تناغماً مع امتعاض الشعب العراقي من فساد الحكومة.

ويبدو أن الإمتعاض على الفساد في الحكومة ليست حكراً على السنة ولا على الأحزاب الشيعية المعارضة للمالكي بل المرجعيات الشيعية أظهرت استيائها ورفضها لما تقوم به الحكومة مما ذكرناه.

والمنهج الإقصائي الذي انتهجته حكومة المالكي، حرمها من مساعدة المرجعيات الدينية فضلاً عن المنافسين السياسيين.

وحول تداعيات هذه الأحداث على الساحة الداخلية والإقليمية يبدو أن الأحداث الأخيرة من شأنها أن يصل بإيران كلاعب أساسي في العراق إلى القناعة بأن دور المالكي انتهى والإصرار على بقائه في رئاسة الوزراء، في غير محله، وعلى إيران أن تعيد النظر في سياستها تجاه الحكومة  العراقية وأن تسمح بتداول السلطة وتكف عن دعم المالكي، خاصة وأن منافسي المالكي من الأحزاب الشيعية كما الأحزاب الكردية والكثير من أهل السنةهم أنفسهم متحالفون مع إيران، وليس هناك ما يبرر إصرار إيران على بقاء المالكي. ولو يرى المالكي نفسه بحاجة إلى إيران، ومستعد لدفع ثمن التعويل عليها، فليست إيران بحاجة إلى المالكي والتعويل عليه كالخيار الوحيد لمنصب رئاسة الوزراء

بعد سقوط الموصل نشرت أخبار تفيد بأن إيران تريد أو تطالب بمساعدة العراق في مكافحة الإرهاب، ولكن يبدو أن إيران تتمكن من مساعدة العراق عبر تكوين علاقات مع جميع الأحزاب والأطراف السياسية في العراق وليس مع حزب الدعوة حصرياً، وذلك حرصاً على مصلحة هذا البلاد وهذا ما يريده جميع العراقيين حتى المرجعيات الدينية الشيعية