دخلت حكومة التوافق الفلسطينية او حكومة الكفاءات شبه المستقلة اتون النار منذ يومها ورغم تخبطها تجاه ازمة الرواتب خاصة فى قطاع غزة الا ان ذلك لا ينفى ورغم الاتهامات السياسية   من كل حدب وصوب انها  تسير على طريق انهاء الانقسام وليس ادارته كما يحلو للبعض ان يقول .

ياتى جزء  اساسى من الاتهامات السياسية للحكومة وعملية المصالحة بشكل عام  على سبيل المناكفة والمزاودة ومن  جهات تقول انها لم تستشر و  تم تهميشها من قبل حركتى  حماس وفتح وكما هو معلوم فلا وجبات مجانية فى السياسة ومن عجز عن خلق راى عام عريض او جبهة سياسية متماسكة ضاغطة باتجاه المصالحة ومن عجز عن منع الاقتتال او الانقسام يجب ان يلوم نفسه اولا قبل ان يلوم الاخرين او يشكك فى نيات وارادة  طرفى الانقسام فى انهائه .

جزء مهم اخر من الاتهامات للحكومة والتشكيك فيها ياتى على سبيل حسن النية وحتى سوء الفهم للواقع وتعقيداته من قبل  مواطننين عاديين وحتى شخصيات سياسية  تصوروا ان الانقسام سينتهى بمجرد تشكيل حكومة التوافق وان انجازاتها ستظهر صباح اليوم التالى لتشكيلها كما فعل يوسف رزقة  مستشار السيد اسماعيل هنية  الذى قال لصحيفة الرسالة-الخميس5 يونيوحزيران- ان لا شىء تغير على الارض لا فى غزة ولا فى الضفة تحديدا فيما يتعلق بالحريات والحصار والمعابر  وان وعود  القيادى الفتحاوى عزام الاحمد  لم يتحقق منها  شىء .

برايى يجب وضع عمل الحكومة ومجمل عملية المصالحة فى سياقين اساسيين الاول يتعلق بالمدى الزمنى الطويل للانقسام ووتداعياته المركبة والمعقدة على الارض والثانى يتعلق بالتحولات التاريخية الكبرى او عملية المخاض الهائلة التى تمر بها المنطقة والتى اوصلت ضمن-اسباب اخرى- عمليتى التسوية  فى الضفة والعسكرة فى غزة الى طريق مسدود .

اذن طال الانقسام اكثر مما ينبغى وكلما طال المرض باتت عملية العلاج  والتعافى اصعب واطول ايضا وخلال سبع سنوات  من الانقسام  تكرست على الارض حقائق  سياسية اقتصادية اجتماعية امنية ونفسية لا يمكن علاجها او ازالة اثارها لا خلال سبع ايام ولا حتى سبعة اشهر وحتما راكم هذا تحديات وصعوبات هائلة امام حكومة التوافق او حكومة الكفاءات المستقلة فمسائل مثل توحيد المؤسسات ووبسط الحريات واعادة الاعمار ورفع الحصار والاعداد لانتخابات ديموقراطية حرة ونزيهة  تحتاج الى شهور وحتى الى سنوات هذا مع  افتراض الارادة الطيبة والنية الحسنة لدى طرفى  الانقسام والمصالحة والتيقظ لكون مسائل مركزية منها تتداخل فيها العوامل المحلية الاقليمية وحتى الدولية .

بعد اخر ينبغى التنبه له ايضا فيما يتعلق بتقييم  اداء الحكومة وازالة اثار الانقسام بشكل عام يتعلق بتحول  المصالحة نفسها الى عملية طويلة مرهقة ومضنية وبتفصيل اكثر فقد بدات العملية بشكل جدى منذ العام 2005 الذى وضعت فى اذار مارس منه فى القاهرة  اول وثيقة للتوافق الوطنى والتى تضمنت بدورها خريطة طريق لاصلاح او اعادة بناء منظمة التحرير وفق اسس ديموقراطية ووطنية  سليمة وحتى توقيع اعلان الشاطىء فى  اواخر شهر نيسان ابريل الماضى عقدت جولات عديدة من الحوار الوطنى الثنائى والمتععد  وتم بلورة وثيقة الاسرى 2006واتفاق مكة 2007 ووثيقة القاهرة 2011 واعلان الدوحة 2012 اضافة الى اعلانات وتفاهمات هامشية اخرى ما يعنى ان ما نحن  بصده الان لم ينطلق من الفراغ وانما من تراكم طويل من الحوارات والاتفاقيات علما ان عملية المصالحة تناسبت عسكيا طوال الوقت  مع عملية التسوية وتاثرتطوال الوقت ايضا سلبا او ايجابا بالتطورات العربية و الاقليمية فى المنطقة ولذلك لم يكن صدفة ان يتم استئنافها  او الخوض بجدية بعد وصول عملية التسوية الى طريق مسدود وانشغال دول عربية مركزية بشؤونها وومشاكلها  وازماتها الداخلية المتراكمة والمعقدة بعد عقود من الاستبداد حولت العالم العربى الى ركام وانقاض مع استثناءات تثبت القاعدة ولا تنفيها .

هذا ينقلنا مباشرة الى السياق الاخر لعملية المصالحة والمتعلق بجمود عملية التسوية ووصولها الى طريق مسدود كما بتاثر  بتاثر الساحة الفلسطنية  مباشرة بالتطورات  والتحولات الهائلة التى تمر بها المنطقة  فالرئيس عباس وصل الى قناعة باستحالة التوصل الى اتفاق الحد الادنى مع اسرائيل اليمينية والمنزاحة يمينا بشكل متواصل وهو كما نقل عنه  الوسيط االامريكى مارتن انديك قدم تنازلات غير مسبوقة تتعلق بالحدود الامن اللاجئين القدس والترتيبات والامنية ولم يتلق حتى موافقة اسرائلية على نقاش مسالة الحدود  ولثلاثة اشهر من اجل تسهيل حسم الملفات الاخرى كما انه خشى  من مسالة البديل حزبيا او وطنيا وهى المسالة الرائجة هذه الايام فى العالم العربى   كما اخذ البعد لتاريخى بعين الاعتبار  تجاه اسرائيل والتسوية وتجاه انهاء الانقسام ايضا وهنا يجب الانتباه الى ان  حالة الفراغ والتيه  الحاصلة عربيا بعد سقوط انظمة الاستبداد التى جففت الينابيع كلها خففت القيود  والضغوط العربية –فى بعدها السلبى عن - الساحة الفلسطينية كما  كرست  من جهة اخرى قناعة اليمين الاسرائيلى باستحالة حل الصراع  وضرورة ادارته باقل الاثمان الممكنة اقله الى حين انقشاع الغبار او جلاء افاق التغيير فى العالم العربى .

حماس من جهتها اصرت على تحمل ثمن موقفها الاخلاقى والشجاع  ضد النظام السورى وممارساته ورفضت العودة الى ما يوصف بمحور الممانعة الطائفى والمذهبى حتى بثمن فك ازمتها الاقتصادية  والسياسية  فى غزة والتى لم تدفع فيها ثمن اخطائها السابقة فقط وانما ايضا ثمن اخطاء بل وخطايا جماعة الاخوان المسلمين خلال عام من الحكم ترك اثرا سلبية هائلة   ليس فقط على  مصر  الربيع العربى والثورات وانما على مجمل المشروع الاسلامى فى المنطقة .

بموازاة فشل  وجمود عملية التسوية فى الضفة  وانسداد افاقها  وصل الى طريق مسدود ايضا مشروع العسكرة فى غزة الذى تبنى  فكرة  انشاء  جيش للمقاومة على الطريقة اللبنانية  والتى سعى من خلاله  المحور  السابق   سىء الصيت والساقط  لاستغلال الورقة الفلسطينية فى سياق صراعه من اجل مصالحه الفئوية والمذهبية الضيقة    علما ان ثمة فارق واسع بين العسكرة باحاديتها وانغلاقها والمقاومة بانفتاحها واتساعها  وهذان الفشلان اديا معا الى نضوج عملية المصالحة واعتبارها مصلحة وضررة للطرفين على المدى المنظور .

اذن ستبقى عربة المصالحة على السكة وستسعى حكومة التوافق الى تحقيق انجازات ونجاحات  ولكنها ستكون متواضعة محدودة وصغرى خاصة فى الملفات الكبرى وسيبقى الوضع على حاله تقريبا لفترة ليست بالقصيرة وبالتاكيد لن تكون انتخابات وربما يتم التفكير فى تشكيل حكومة اكثر اتساعا وتمثيلا للشارع الفلسطينى  ستعمل هى بدورها بشكل تدريجى وبطىء لكن متواصل على انهاء الانقسام وليس ادارته الى حين اتضاح افاق عملية التغيير الهائلة والتاريخية  فى العالم العربى وهى العملية التى ستستغرق سنوات وليس شهور ومثلها تماما عملية انهاء الانقسام او المصالحة فى فلسطين .

باحث فلسطينى