لقد توصل المجتمعون في  جنيف  "روسيا والغرب" المعنيين بالأزمة الاوكرانية على التهدئة ، وسحب فتيل الازمة، لكن لقاء الرئيس فلاديمير بوتين المفتوح مع الصحافة في ذات الوقت، قد ارسل اشارات واضحة باستخدام القوة العسكرية في اوكرانيا لحماية الجالية الروسية في المناطق الشرقية ، بينما كان وزير دبلوماسيته يبرم اتفاقا بشان التهدئة وفقا لشروط الكرملين.

دفعت الازمة الاوكرانية وتطوراتها بالعلاقات بين روسيا والغرب الى اسوأ حالاتها منذ نهاية الحرب الباردة في عام 1990، والتي تنطوي اليوم على خطر نشوب حرب غاز قد تعطل امدادات الطاقة الى اوروبا.

لكن التكتيك الذي يتبعه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع الازمة الاوكرانية منظم وسريع ،ولكن هذا التصرف والعمل الممنهج في شرق اوكرانيا لا يسهل على الغرب عملية الرد بسرعة ، فالسرعة في التكتيك الروسي يقابله ضعف في الاستراتيجية التي تستخدم في  التعامل مع المشكلة الاوكرانية .

فان فشل إعلان القائم بالرئيس الاوكراني الحالي الكسندر ترشونوف الاسبوع الماضي والقاضي بشن عملية واسعة النطاق ضد المتمردين المسلحين المواليين للروس في شرق اوكرانيا ،  قدم ورقة ذهبية لموسكو لرفع الصوت عاليا ضد اضطهاد كييف للجالية الروسية التي تحاول موسكو الدفاع عنها بكل الوسائل  المتاحة لديها بما فيها العسكرية ، مما ساهم بأضعاف ورقة كييف بسبب هذا التصرف الذي لا يوجد بديلا عنه لدى حكومة اوكرانيا بالرغم من فشله ، مما رفع معنويات الناطقين باللغة الروسية برفع روح التمرد التي تدعمه موسكو وتصر على الفدرلة وتتهم سلطات كييف بالضعف والعجز امام حل مشاكل الاحتجاجات في المناطق الشرقية المطالبة بالانفصال نتيجة تجاهل الاخيرة لمطالبهم ومعالجة خوفهم وضمان حقوقهم .

لكن الاضطهاد الروسي الفج لأوكرانيا عبر منع امدادات الغاز من قبل شركة "غاز بروم"،يؤكد الانطباع خارج روسيا بانها دولة فجة استبدادية ،وان التزامها بالديموقراطية وحرية التجارة العالمية هي مجرد صورة.

فالروس الذين يصرون على تمثيل المناطق الشرقية الاوكرانية بأي حل او حوار قادم لحل مشكلة اوكرانيا المتفاقمة والتي تهدد بالانزلاق نحو الحرب الاهلية( بانتظار التطورات التي تحصل بسرعة) يعلمون جيدا ان الحكومة الحالية هزيلة جدا وغير قادرة على الوقوف بوجه الطموح الروسي  والدفاع عن مصالحها ومصالح جاليتها ، وبخاصة ان روسيا التي لا تزال تملك اوراق متعددة في حربها ضد اوكرانيا والغرب لم تكشفها قبل تغير المعادلة السياسية التي اختلت لصالح الغربيين الاوكران على حساب الشرقيين الروس بدعم اوروبي   .

بعد قضم شبه جزيرة القرم من قبل روسيا شجعت الرئيس بوتين على استكمال عمله نحو المناطق الشرقية التي تطالبه بالتدخل والنجدة والحماية من سطوة المتطرفين والنازيين  في العاصمة كييف ،وهذه المطالبة تمنح الكرملين  فرصة استكمال خطة السيطرة على اوكرانيا الشرقية او ما يعرف تاريخيا" بروسيا الصغيرة" من خلال الحرب النفسية التي تشنها موسكو بوحه الغرب في حربها الحالية في اوكرانيا .

والجدير بالذكر بان الازمة الاوكرانية دفعت روسيا اكثر نحو التمسك بمواقفها ومواقعها وتحديدا بسورية وبالرئيس بشار الاسد ،وخاصة بعد ما سمته انقلاب المعارضة الاوكرانية على الاتفاق الذي ابرامته الدول الثلاثة الراعية للاتفاق مع الرئيس المخلوع فيكتور يانوكوفيتش كذريعة بان اي شيء لا يضمن  اي اتفاق يبرم مع النظام في دمشق، لذلك لا شيء يستدعي العجلة الى جنيف3 ،كما ان ضمها القرم من دون مقاومة غربية فاعلة زادها تصميما على التمسك بالرئيس بشار الاسد ونظامه .

  فالإستراتيجية الروسية تقوم على استعادة امجاد الامبراطورية الروسية ،وقد يكون الرئيس بوتين على وشك استعادة امجاد الامبراطورية القيصرية سريعا من خلال هذه السياسة التي تربك الغرب بعد التأكيد او الموافقة على ما يحدث  من تصرفات الروس في شرق اوكرانيا،ولكن من المؤكد بان هذه المغامرة مكلفة جدا لروسيا،فالعزلة الغربية  التي قد تفرض عليها  ،هي الثمن وخاصة اذا حاولنا النظر الى موسكو فأننا نجد بان بوتين الذي ناضل طوال الفترة السابقة لإبراز دور روسيا على الصعيد العالمي فهل سيقبل هذه العزلة على بلاده؟.

يبقى السؤال الاساس الى اين تتجه الامور في اوكرانيا وفي كيفية الحلول التي تم التوصل اليها في اللقاء الروسي - الغربي المعني بحل اوكرانيا في جنيف 17 ابريل الحالي ،وهل ستتمكن كييف من التحضير السريع للانتخابات القادمة في 25 ايار\مايو القادم وإجرائها في الموعد المحدد بالرغم من كون سلطة كييف تتهم موسكو بالسعي لتقويض الانتخابات الأوكرانية... لننتظر اللآتي من التطورات.

د.خالد ممدوح العزي.

كاتب وباحث اعلامي مختص بالشؤون الروسية وأوروبا الشرقية .

Dr_izzi2007@hotmail.com