الانتخابات السورية الصورية والشكلية المزورة فتحت أبواباً واسعة من الجدال والنقاش ليس حول مصداقيتها وشرعيتها وهي بالطبع ليست كذلك، ولكن حول طبيعة النزوح السوري وحقيقته ومصداقيته التي حاول البعض ان يشكك بأنها صحيحة او تستحق المتابعة والمعالجة والاهتمام بعد مشهد النازحين المشردين ينتخبون ويصوتون لمن قام بتشريدهم وطردهم واستهدافهم..؟؟؟ وهنا لا بد من القول انه لا يمكن ان يغادر اي مواطن سوري منزله او ارضه إلا تحت طائلة التهديد بالقتل أوالتهويل بالتعرض لأبشع العواقب، وإما لحماية عائلته واسرته من الاستهداف والتجويع وسائر الممارسات الي يقوم بها نظام الأسد ومن يتحالف معه من قوى الطغيان والارهاب المتحالفة مع إيران.. كذلك فإن أزمة او مشكلة النازحين او المهجرين قسراً من الأزمات التي تتفاقم وتتفاعل في أي بيئة كانت وإلى أي مجتمعٍ لجأت..ولهذا فقد سعى النظام الظالم في سوريا إلى تهجير أكبر عددٍ ممكن من ابناء الشعب السوري إلى دول الجوار لتشكل عبءً على هذه الدول وشعوبها، آملاً في ان يدفع حجم وضخامة هذا اللجوء واعداده، إضافةً إلى تداعياته الاقتصادية والانسانية والأمنية، إلى ارتفاع الأصوات الإقليمية المطالبة بمعالجة سياسية سريعة للأزمة السورية على حساب مطالب الشعب السوري وطموحاته وتطلعاته، والدعوة إلى عودة مباشرة للنازحين السوريين إلى مدنهم وقراهم وبلداتهم التي تم تهجيرهم منها لتتخلص منهم دول الجوار بأسرع ما يمكن، ودول الجوار المقصودة هنا هي: لبنان المعني الأول بهذه المؤامرة وهذا المخطط... والأردن الذي يحكم مخيمات النازحين على اراضيه بقبضة حديدية، وتركيا التي وقفت منذ بداية الانتفاضة الشعبية مع مطالب الشعب السوري وطموحاته في الحرية والعدالة والتنمية.. اما العراق فكان أساساً خارج هذ الدائرة باعتباره من خارج دائرة الدول التي تؤمن بالحرية والديمقراطية، مع انخراطه في محور التحالف مع إيران وبروحٍ مذهبية طائفية بغيضة... فقد امتنع مع ارتفاع وتيرة التهجير عن استقبال النازحين السوريين إلا على مضض.. باستثناء النازحين الأكراد الذين توجهوا اساساً نحو كردستان العراق....

في لبنان وهنا ما يعنينا، فقد امتنعت حكومة ميقاتي بتوجيهات من حزب الله والتيار الوطني (ميشال عون) والنظام السوري الحليف الأساس لتلك الحكومة عن إقامة مخيمات لجوء برعاية حكومية رسمية وعناية وإدارة دولية على الحدود اللبناية – السورية المشتركة...وذلك آملاً منهم ان يؤدي النزوح السوري إلى ما تريده وتهدف إليه الاستراتيجية التي وضعتها طهران من تعزيز الحضور السوري البشري في لبنان، وضمن المجتمعات اللبنانية لرفع وتيرة الخوف واستخدام الإعلام الموجه من قبل حزب الله للترهيب من التغيير الديموغرافي القادم لمصلحة طائفة معينة ومذهب محدد... وكذلك لاستغلال بعض عملاء النظام الذين اندس بعضهم بين النازحين لارتكاب بعض الممارسات المشينة بهدف فض التحالف الموضوعي بين المظلومين في لبنان وإخوتهم في سوريا....وقد حصل ما ذكرناه فكان إعلام حلفاء سوريا يخيف البعض من الوجود الشعبي والنزوح السوري، مذكراً بمأساة الفلسطينيين الذين تحول نزوحهم المؤقت  إلى تهجير ولجوء دائم، وإشاعة ان لا عودة للنازحين السوريين إلى ديارهم، وان بقاءهم في لبنان هو مؤامرة دولية لتهجير المسيحيين..ولكن ما الذي تعرض له نازحي سوريا في لبنان:

لقد قام حزب الله وحلفائه من حركة امل وغيرها، بمراقبة السوريين ومتابعتهم وتوقيف بعضهم وتسليمهم للنظام السوري كما ينتشر في اوساط النازحين، كما قام جهاز امني لبناني بتوقيف العديد من السوريين بحجة الدخول غير الشرعي إلى لبنان وتسليمهم للسلطات السورية، مع ما يتضمنه هذا التصرف من مخالفة موضوعية وحقيقية وقانونية للقانون الدولي الذي يمنع تسليم اللاجيء للدولة الإم إذا كان هناك خطراً يتهدد حياته، ولا احد يعرف حتى الان مصير هؤلاء وهم كثر جداً....ولكن لا ضرر من ذلك فالمهم ان يبقى النظام السوري حتى وهو يلفظ انفاسه الأخيرة راضياً عن اتباعه وتابعيه في لبنان، الذين صنعهم ورعاهم واوصلهم إلى ما وصلوا إليه خلال العقود الثلاثة الماضية التي كان فيها لبنان تحت وصاية الاستعمار السوري المذهبي والطائفي...ولتزهق ارواح هذا الفريق الثائر لأنه ليس من أتباع محور الممانعة.. المزيفة...

وزير خارجيتنا السابق كان صوت النظام السوري في المحافل الدولية والعربية بحجة الالتزام بالاتفاقات المعقودة... حتى انه قد تم وصف الوزير منصور بأنه "وزير خارجية إيران والنظام السوري" وليس لبنان.....فهو لم يستنكر او يدين ولو لمرة واحدة القصف السوري على الاراضي اللبناني او تلك الي ادت لاستشهاد مواطنين لبنانيين... اما وزير الخارجية والمغتربين الحالي جبران باسيل فقد حذر من خطر النزوح السوري غير الإعتيادي إلى لبنان، وخلال حفل إستقبال أقامه سفير لبنان في الجزائر "غسان المعلم" على شرفه أشار باسيل إلى أن عدد النازحين السوريين في لبنان بات يوازي نصف عدد اللبنانيين المقيمين." كل اشكال الحصار والخلل الاجتماعي في ظل امكانيات محدودة متل لبنان وقدرنا تخطيناه."...

إذاً بين مطرقة التهجير القسري من سوريا الذي يفرضه النظام المجرم على شعبه وبين سندان تعاون الميليشيات الطائفية من حزب الله إلى ابو الفضل العباس وعصائب اهل الحق العراقية...يستمر النزوح السوري إلى لبنان وغيره.. والقرى والبلدات التي يفاخر حزب الله باحتلاله لها وتهجير اهلها بالقوة بحجة ضرب المسلحين.. والسؤال الأساس هو لماذا لا يقوم حزب الله بتسهيل عودتهم إليها بعد احتلالها، وبالتالي يخف عبء النزوح عن لبنان، ولكن المطلوب، هو إبقاء النازحين في لبنان وبقاء هذا العبء والقلق لدى بعض اللبنانيين ولدى السوريين ايضاً، إذ لا يوجد من يستسيغ او يرتاح لحالة التهجير باستثناء النظام السوري وحزب الله..وسائر عملاء هذا النظام...؟

إن مشكلة النازحين السوريين قضية تستحق الوقوف عندها ومعالجتها بموضوعية خاصةً بعد ان ارتفعت الأصوات المعادية نتيجة الضغط الإعلامي الذي تمت مارسته من قبل بعض الأبواق المخابراتية المطلوب منها التحريض على المواطني السوريين النازحين بعد مشهد الاقتراع الإجباري للنظام السوري الحالي وعمليات قطع الطرق التي قامت بها ميليشيات معروفة الانتماء والارتباط والتحالفات، لإرهاب المجتمع اللبناني من الوجود السوري الطاريء نتيجة الثورة الشعبية على النظام.. ولإظهار ان لا معارضة شعبية سورية حقيقية ضد النظام، بل مجرد مجموعات غريبة خارجية جاءت لاسقاط النظام على طريقة العصابات الصهيونية كما ذكر نصرالله في خطابه الأخير.... وفي هذه الحالة ماذا يجب ان نطلق من تسمية على ميليشياته وتلك الأخرى التي تدعم إجرام بشار الأسد (جيش الانقاذ)......؟؟

بالعودة إلى الناخبين السوريين من النازحين، فقد تمت دعوتهم من قبل الميليشيات التابعة والمتحالفة مع النظام السوري في لبنان وهي مزودة بلوائح اسمية وارقام هواتف لمن يملكها، إلى جانب اللوائح التي تزودت بها من جهاز امني يعتبر نفسه معني ببقاء النظام السوري وديمومته كما ذكرت بعض المصادر وسرّبت بعض الجهات.. للاتصال بالمواطنين السوريين النازحين للضغط عليهم بضرور التصويت وإلا..؟؟ كما ان الاستعراض الشعبي على هشاشته كان المطلوب منه ان يحق آمرين:

-          إظهار صور إعلامية حاشدة تفيد بان الشعب السوري لا زال على ولائه لبشار الأسد.. يتم توزيعها في الخارج والداخل لارباك المشهد السياسي والإعلامي.. وحتى الأمني.. وقد اشار سائق حافلة عمومية قام بنقل ركاب يفترض بانهم سوريون، في لقاءٍ خاصٍ معه.. ان ركابه وعددهم 24 كان معظمهم من انصار الميليشيات اللبنانية المؤيدة للأسد في لبنان..... ولم يكن بينهم سوى عدد بسيط من السوريين...وأفاد آخر من النازحين السوريين بأن حركة امل وحزب الله قد قاما بجمع الرجال والنساء من النساء للقيام بالواجب الانتخابي بكل حرية...؟؟؟؟ وتم نقلم بواسطة باصات ركاب تم تأمينها من قبل الفريق المتحالف مع بشار.... ولكن خلال الطريق نحو السفارة السورية تم جمع مبالغ مالية من النازحين السوريين بدل نقل ووقود...؟؟؟؟؟

-          الضغط على الشعب اللبناني ليوقف دعمه للنازحين السوريين باعتبارهم من انصار الأسد لا من انصار المعارضة.. ودق اسفين بين التلاحم المصيري والوجودي بين القضية اللبنانية والسورية التي تعاني من الظلم والقهر عينه، طوال سنوات قاربت الستة عقود... ومن نفس الفريق الظالم والمجرم، من اتباع المحور الإيراني الفارسي..

إن القرار الذي اتخذته وزارة الداخلية اللبنانية لضبط وتنظيم ملف النزوح السوري في لبنان، فقد تم بعد مشاورات قام بها الوزير المشنوق توّجها بالاتفاق مع ممثلة مفوضة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين "نينت كيلي" بحيث حظي عبرها بموافقة الأمم المتحدة على مضمون القرار، نظراً لكون الأمم المتحدة هي الجهة الدولية المخوّلة منح أونزع صفة النزوح عن اللاجئين. وعن مفاعيل القرار أوضحت مصادر معنيّة لـجريدة "المستقبل": "أنّه لا يمنع النازح السوري الذي يغادر الأراضي اللبنانية إلى وطنه من العودة إلى لبنان، لكنه حين يعود يفقد صفة النازح ويدخل بصفته مواطناً سورياً، الأمر الذي يحول دون استفادته من المساعدات والتسهيلات التي تُمنح للنازحين". وأشارت المصادر إلى أنّ وزارة الداخلية ستسلم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تباعاً لوائح بأسماء السوريين الذي يدخلون لبنان على أن تتولى المفوضية مقاطعة هذه الأسماء مع سجلاتها لإبلاغ الدولة اللبنانية عن أي إسم مدرج كنازح في هذه السجلات، لافتةً في الوقت عينه إلى أنّ الأجهزة الأمنية ستدقق عند الحدود في هويات السوريين الداخلين إلى الأراضي اللبنانية بحيث سيصار إلى التدقيق في أحقية كل منهم بالاستفادة من صفة النازح، عبر استيضاح المواطن السوري الراغب بالدخول إلى لبنان ما إذا كان مدرجاً سابقاً في لوائح النازحين وتزويد الأجهزة برقم بطاقة النزوح الممنوحة له"...(أ.ه)

وبالعود إلى نسبة المقترعين من النازحين السوريين يتبين انها لا تتجاوز 10 أو 15 % من عدد النازحين السوريين المسجلين كناخبين.. وهذا عدد بسيط مقارنةً بعدد النازحين الفعلي في لبنان، لذلك كانت الاستعانة بعناصر ميليشيات محلية لرفع العدد والتأثير في المشهد.. ولكن كما اشرنا كان المطلوب الترويج الإعلامي للتأييد المنقطع النظير من الشعب السوري لمن يقتله ويشرده ويدفعه للهجرة والنزوح وهذا موقف يخالف العقل والمنطق... ولكن هذا السلوك والمسار السياسي هو دأب كل من يؤيد نظام سوريا ومحور ايران..

لا بد من الإشارة هنا إلى حالات نزوح وتهجير سابقة حصلت في الدول المحيطة ولكن لم ينفعل خلالها إعلام الممانعة والمتاجرة بدماء المواطنين والأبرياء... إذ خلال الحرب العراقية والعدوان على العراق وصل عدد النازحين والمهجرين من ابناء الشعب العراقي إلى لبنان ما يقرب من 300 ألف مواطن عراقي ولم نسمع شكوى حينها من تغيير ديموغرافي او تبدل في المشهد الاقتصادي اللبناني لأن معظمهم كان..؟؟؟؟.. كما ان الشعب السوري قد استضاف خلال عدوان تموز/يوليو الاسرائيلي على لبنان ما يقرب من 750 الف مواطن لبناني ولم يتذمر حينها الشعب السوري من اللبنانيين...وهذا ليس لأن النظام السوري حليف حزب الله ومرجعيته إيران.. بل لن الشعب السوري جزء من الأمة العربية ويعتبر ان استضافته او استقباله للنازحين اللبانيين واجب عليه وحق للمواطن اللبناني.. فكيف يقابل اتباع النظام السوري في لبنان والمتطرفين من الحاقدين على الشعب السوري الذي قد ظلم لمدة ستة عقود كاملة... ؟؟ بنكران الجميل والتحريض، وبذا يكون المواطن السوري قد انتقل من تحت مطرقة النظام السوري وبراميله المتفجرة إلى الاستهداف من قبل سندان حزب الله وحلفاء النظام السوري في لبنان، الذين يريدون استمرار الظلم والقهر والقتل والتعذيب والحرمان والسجن والاغتصاب ... وهذا ما لن نقبل به او ان نكون جزءاً منه..وسنبقى إلى جانب الشعب السوري في ثورته هذه ضد الظلم والحاقدين حتى يعود إلى وطنه حراً كريماً وسيعلم حينها الذين ظلموا اي منقلب سينقلبون...