ثمة شيء "سوفياتي" في الحملة التي خيضت على البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد زيارته الرعية في إسرائيل وفي الضفة الغربية. "سوفياتي" لأنه ليس متن الخطاب الممانع. هو ماضيه المنقضي والمنصرم، فيما متنه المشتغل اليوم واضح لجهة جوهره الأهلي والنزاعي والمذهبي. المتن منشغل في حماية مقام السيدة زينب في دمشق، ولم يصدر عنه تصريح واحد يُدين الزيارة.

وهو سوفياتي لأن الزمن تغير وهو لم يتغير، فالممانعة بنسختها الـ"ما بعد الحرب الباردة" انتقلت من طورها اليساري والعروبي الى طورها "الولي فقيهي"، فيما تمسك أصحاب الحملة على الراعي بلغة الممانعة في طورها القديم السوفياتي. الطور الـ"ولي فقيهي" يرى إمكان اللعب أكثر. أن يدعمنا الراعي في حربنا السورية فهذا كافٍ لضرب صمت على زيارته. وهؤلاء الذين يصرخون مستهولين الزيارة ليسوا أكثر من ممانعين متقاعدين.

لكن لا بأس أيها الرفاق من عرض بعض الحقائق حول نتائج مقاطعتنا عرب الـ48، ونتائج معاملتنا لهم كأعداء. وهو أمر اشتركت فيه غالبية مجتمعات "دول الطوق". فقد نجحت الدولة العبرية الى حد كبير في أسرلة عربها بفعل هذه المقاطعة بالدرجة الأولى، وبفعل سياسات موازية تولتها ممانعتنا الرهيبة. وزيارة الراعي جاءت في سياق مختلف عن جوهر هذا التعاطي، فقد ذهب الرجل ليقول لمسيحيي الـ"48" أن لكنيستكم امتداداً "مشرقياً". مشرقي أيها الممانعون، هذه العبارة التي أطربكم بهجت سليمان حين قالها، فلماذا تنكرونها على الراعي.

لقد طلبنا من عرب الـ48 أيها الرفاق أن يوقفوا نضالهم لنيل حقوقهم الإجتماعية والاقتصادية وأن يبقوا عرضة للتمييز على هذه الأصعدة، حتى لا تذوي هويتهم القومية. أن يجوعوا ولكن أن يبقوا عرباً. هذا حرفياً ما طلبناه منهم، ولهذا السبب انشق عزمي بشارة عن حزب راكاح وأسس حزبه القومي. ولكن كم يبدو طلبنا هذا مُذلاً وبائساً، وهو يُشبه طلبنا منهم عدم استقبال الراعي، ذاك أن كاثوليك الـ48 انتظروا الزيارة أكثر من ستين عاماً، فجاءهم طلبنا مضحكاً بالفعل.

فيا أيها الرفاق كان من العقل أن تحذوا حذو "حزب الله" الذي حسب مصالحه وزانها في حساب الزيارة وارتضى الصمت، وأطلق لكم العنان. اعمِلوا العقل أيها الرفاق، فأبناء جلدتنا مُهددون، واسرائيل تُحرز انجازات في عملية استيعابهم. احفظوا درس بلدة الغجر التي يرفض أهلها الهوية اللبنانية، ودرس الجولانيين الذين يرفضون الهوية السورية. لقد فشلنا معهم، ويجب أن نعيد النظر في انكفائنا عنهم، كما أنه يجب أن نعرف أننا لا نُمثل إغراء لأحد، ويجب أن نبحث عن شيء نعرضه عليهم غير فشلنا.

ثم إن إقامة علاقات عابرة للقبضة الإسرائيلية ألا يُشكل نوعاً من مقاومة للأسرلة؟ أن يشعر عرب الـ48 بأنهم محتضنون من محيطهم القومي والديني ألا يساعدهم ذلك على حماية هويتهم المُهددة فعلاً؟ 

ليس المنطق هو ما يبتغيه الخطاب السوفياتي، فهل من سؤال أوضح من ذاك الذي سألته فتاة لبنانية ولدت في إسرائيل للراعي، اذ قالت له: هل أنا عميلة؟ نحن أفشل من أن نجيبها.