لا يزال الصمت  يخيم على الموقف الروسي منذ اعلان الرئيس السوري بشار الاسد  عن ترشحه للانتخابات الرئاسية التي جرت في 3 يونيو\ حزيران   . فالسكوت يدل عن رضى موسكو الكامل لهذه الخطوة، و تشير الى الدعم المطلق للنظام السوري،  والذي عبرت عنه موسكو بالعديد من الخطوات السابقة . فالكرملين يقف وراء النظام ، ويدعمه بقوة، ويشعر النظام بهذا السكوت على أنه يعطي موسكو ورقة جديدة للتفاوض مع الغرب وبخاصة بظل الهجمة التي تشن على روسيا من الغرب ، مما يسمح لها بترتيب اوراقها وإعادة التفاوض بموضوع الملف السوري والملف النووي الايراني.

بالطبع هذا السكوت ينافي تصريحات المبعوث الروسي الى الشرق الاوسط السفير ميخائيل بغدانوف المتكررة والذي كان اخرها تصريح لجريدة الحياة اللندنية  في الكويت في 28 اذار \ مارس الماضي :" ان الانتخابات السورية لن تغير شيئا ،فهي تجري على جزء من الاراضي السورية التي تخضع لسيطرة السلطة، اي انها لن تشمل كل المناطق وهذه نواقص موضوعية فيها ، والمعارضة لا تعترف بشرعية الاسد وأي اتفاق قد يتم ستكون انتخابات اخرى...."مؤكدا كلامه امام وفد بيت الخبرة السوري المعارض الذي زار روسيا في 21 نيسان ابريل .

وربما خطوط الترشيح للرئيس السوري التي تحاول روسيا الموافقة عليها بطريقة غير علنية لفتح باب الحوار السياسي مجددا والذهاب الى جنيف-3 على قاعدة فرض امر واقع جديد مبني على العملية الانتخابية وإجبار المعارضة على تقليل سقف المطالب وتحديدا عدم المطالبة بأي عملية سياسية قادمة في سورية دون الاسد.

 الروس يعلمون بان العالم كله مصر على ابقاء المؤسسة العسكرية كي لا تتكرر تجارب العراق وليبيا وبالتالي الابقاء على النظام يؤمن لروسيا التمسك بالأسد حاليا بظل غياب الحل السياسي والذي لايزال بعيدا جدا بظل التغييرات العالمية، ولايزال شبح الحرب مسيطرا على الصورة  والمشهد السوريين  .

فالموقف الروسي الذي يجهر دوما بأنه يفضل الحل في سورية بطريقة سياسية و دبلوماسية لكن هناك تقارير سرية تشير بان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لا يناور  ولا يكذب في دعم النظام السوري من خلال الرئيس بشار الاسد والذي يفضل الحسم العسكري والإطباق الامني على مقاليد المفاصل الامنية في سورية من خلال المؤسسة الامنية والعسكرية، وهذا مما يساعد النظام اكثر الاستمرار في تنفيذ خطته العسكرية المبنية على الحمم النارية والتدمير الممنهج لإعادة رسم الخريطة السورية الداخلية مجددا.

بالرغم من كون الروس يرسلون اشارة الى المجتمع الدولي بان الانتخابات في سورية هي شان داخلي، لكن العملية السياسية والدبلوماسية التي تنادي بها روسيا لإنهاء الازمة السورية هو تناقض فعلي للمواقف والآراء المطروحة فكيف يمكن التوافق على انهاء الازمة وفقا لمقررات جنيف القاضية بتشكيل حكومة انتقالية والعمل على انتخابات حرة ونزيهة وبنفس الوقت السكوت عن الانتخابات القادمة .

ومن الطبيعي الدخول في انتخابات في سورية، لان ولاية الرئيس الاسد انتهت، ولابد من العمل على مرحلة جديدة والتهيؤ لانتخابات جديدة حسب الدستور السوري الجديد الذي اقر في العام 2012 ، لكن المشكلة ان ترشيح الاسد يأتي بظل فشل الحلول السياسية فكان لابد من اعادة ترشيح الاسد مجددا وحتى لو حصلت التسوية الدولية التي لاتزال مستبعدة جدا يمكن العودة لإجراء انتخابات جديدة قد يكون الاسد او نظامه جزءا منها ،او بحال تم التقسيم وفرض شريط في مناطق نفوذ الاسد"مناطق الساحل وأجزاء حمص والقلمون المتلاصق بلبنان ذات الامتداد الجغرافي لحزب الله اللبناني، وبحسب التوجه الايراني والروسي يكون الاسد هو رئيس هذا الشريط بالاعتراف الشعبي له.

  روسيا تملك القدرة على ايجاد حل للازمة السورية وبخاصة بعد انتهاء ولاية الرئيس بشار الاسد التي يمكنها ان  تؤمن له  خروج  مشرف من السلطة والتوصل لاتفاق يؤمن له الحماية،  والعمل سريعا على اجراء انتخابات قد تخفف من الاحتقان الدموي والتدمير للبلاد،  تستطيع ان تدخل في حل للازمة بعد هذه المدة  وتحفظ ماء الوجهه.

 لكن الروس لا يردون سوى الحل الذي يردونه ويضعون الملف السوري في صلب الحرب الجيو- سياسية التي يخوضونها مع المجتمع الدولي من اجل تحقيق انتصارات ومكاسب لتوسيع رقعة الارض الذي يحاول صقور الكرملين بسط نفوذهم عليها في عودتهم الى الحلبة الدولية .

 فالإستراتيجية الروسية في سورية تقوم بكل بساطة على اجراء الانتخابات وإبقاء الاسد في السلطة والتوجه نحو الحسم العسكري نتيجة معطيات النظام الذي توعد ببسط السيطرة على مناطق سورية، ومن ناحية اخرى استخدام ورقة الاسد في صراعها مع الغرب وخاصة بظل الضغوط التي تفرض عليها في اوكرانيا .

لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تتمسك روسيا بالنظام السوري بأسنانها و مخالبها،لان هم روسيا الأوحد هو الحفاظ على  مصالحها بسوريا وهي كالتالي :

1 - الوقوف بوجه مشروع مد انابيب الغاز القطرية عبر سوريا لتركيا ومنها لأوروبا .

2 - التنقيب عن الغاز والبترول في الساحل السوري واستثماره من طرفهم

3 - المحافظة على قاعدة طرطوس البحرية الوحيدة بالمتوسط والتي تتبرم نفسها الجنوبي على المياه الدافئة .

4 -  كون سوريا هي آخر مكان  لروسيا بالمنطقة لذا يجب المحافظة عليها بأي ثمن في حربها الجيوسياسية .

5 – سورية دولة مستهلكة للسلاح الروسي وخاصة بظل ممول مالي   كإيران والعراق .

فالروس الذين  يقبلون بشرعية الاسد ويغضون نظرهم عن كل ممارسته ويرفضون ادانته ويعرقلون اي خطة اممية في مجلس الامن والتي كانت اخرها في 25 نيسان\ ابريل  الماضي ومنع تمرير مشروع يدين الاسد لاستخدام غازات سامة ضد الشعب معتبرين هذه ذريعة قدرة تستخدم للتدخل العسكري الغربي في سورية .

لكن الروس نفسهم لا يقبلون الانتخابات في اوكرانيا ويعتبرون موت اي شخص من الناطقين باللغة الروسية هو اجرام ممنهج ضد الجالية الروسية من النازيين والمتطرفين الجدد  الذين يسيطرون على البلاد بقوة السلاح ودعم الغرب ،مما يدفع موسكو بالتدخل العسكري لحماية بعض المتطرفين والشوفنيين الروس في اوكرانيا .

فالعمل المشترك ما بين اوكرانيا وسوريا هي العنجهية الروسية التي تحاول الهروب من المسؤولية الانسانية وعدم الاحتكام للقانون الدولي وممارسة سياسة الخمليون وتنفيذ مشاريع هيمنة وسيطرة بقوة السلاح والقتل والاحتلال.

د.خالد ممدوح العزي .

كاتب اعلامي وباحث بالشوؤن الروسية وأوروبا الشرقية.