حلّ الفراغ على مستوى منصب رئاسة الجمهورية، ومعه مزيد من الوهن في موقع المسيحيين، ولا سيما الموارنة الذين لم يحسنوا إدارة الاستحقاق بسبب خلافاتهم التي أضعفتهم أكثر من تمادي الطوائف الأخرى وتمددها. وإذا كان الوهن المسيحي واضحاً والمسؤولية جماعية، فإن مسؤولية الجنرال ميشال عون، صاحب الكتلة النيابية المسيحية الأكبر في مجلس النواب بنظر الكثيرين، أكبر من مسؤولية بقية الطيف السياسي والروحي المسيحي. ومسؤوليته مضاعفة بتعامله باستخفاف مع التركيبة اللبنانية الهشّة بتوازناتها بعدما شهدت تمدداً من بقية المكونات، وفي طليعتها المكوّن الشيعي الذي يقوده "حزب الله".
وبصرف النظر عن مغالطات الجنرال عون الكبيرة في ما يتعلّق بواقعه، وقوته الشعبية، ومحاولته اختصار المسيحيين بشخصه، فإن عون يستسهل التلويح بتغيير النظام، ظناً منه أن ما أخذ من المسيحيين في نهاية الحرب الأهلية يمكن استعادته في خضم المواجهة الكبرى بين السنة والشيعة، ليس في لبنان فحسب بل في الإقليم كله من العراق الى فلسطين. والحق يُقال أن الجنرال عون الذي يقامر من خلال مناورات بالموقع السياسي الأول للمسيحيين في الشرقين الأوسط والأدنى، ربما لا يدرك أنه متى جلس الكبار في الإقليم معاً للتفاوض الجدي حول الملفات الساخنة فإن الشعبوية القروية لا يعود لها مكان أو موقع مقرر.
رب قائل إن الدكتور سمير جعجع يتحمل المسؤولية أيضاً. هذا ليس صحيحاً كما يقول مسيحيو 14 آذار، لأن جعجع قال إنه مستعد للجلوس الى الطاولة للبحث في أسماء مقبولة. ولم يستبعد الانسحاب لمرشح يحمل أفكار 14 آذار، وهذا جيد، لكنه يدرك أنه متى حان موعد التفاوض الجدي حول الأسماء والمواصفات تصير اللعبة مختلفة. من هنا ثمة فارق كبير بين موقف جعجع الذي لا يستبعد التفاوض على أسماء، ويدعو الى لعبة انتخابية لا عيب فيها إن حصلت، وعون الذي يوصد الأبواب أمام كل تسوية لا يصبح بموجبها رئيساً.
وفي هذا السياق، يشير كثيرون الى أن على عون أن يدرك أمراً مهماً: أن انتخابه رئيساً للجمهورية معناه بنظر نصف لبنان غلبة لـ"حزب الله"، ومعناه انتصار لمحور يضم الحزب الى نظام بشار الأسد. وعون جزء من الفريق الذي تنبع مرجعيته من طهران. فدعونا من التكاذب. ومثلما يقول السيد حسن نصرالله، إنه لن يكون ثمة رئيس معاد لما كان يسمى "مقاومة"، فإن الآخرين يقولون لن يكون ثمة رئيس جديد يتماهى مع "حزب الله" على النحو الذي أظهره عون على مدى تسع سنوات. في رأي هؤلاء أن وصول عون الى الرئاسة، بغض النظر على الحوار معه، وهو ممتاز، سيكون بمثابة تسليم لبنان الى "حزب الله". ان أفضل ما يمكن أن يقوم به الجنرال عون الآن بنظر الكثيرين هو أن يتجه نحو تسوية منطقية ومعقولة مع مسيحيي 14 آذار لاختيار اسم مقبول يحظى برضى القوى الاسلامية من هنا وهناك، وبذلك نجدد للتهدئة الموقتة التي جاءت بالحكومة الحالية.