لم يقطع الجنرال ميشال عون مع حفظ بقية الألقاب خيط الأمل في معجزة ما تحمل الرئيس سعد الحريري على تأييد ترشيحه غير المعلن بعد لرئاسة الجمهورية. معجزة لا فرق إن هبت من خارج بدفع من متغيرات دولية وإقليمية تجعله رئيس أمر واقع، أو صعدت من الشارع في ظروف معينة وفعلت فعلها، مثل ما حدث بعد 7 أيار 2008 وفتح أبواب الدوحة فالقصر الجمهوري ، أو مثل ما حدث بعد اغتيال مستشار الحريري الوزير السابق محمد شطح الذي فتح أبواب السرايا أمام حكومة الرئيس تمام سلام.

هذا أقله ما خشيه وتحسب له خصوم لعون، مسيحيين ومسلمين ودروزاً، لا يطيقون لحظة مجرد التفكير في احتمال تبكيل أزرار جاكيتاتهم أمامه رئيساً للجمهورية، خصوصا بعدما نجح لفترة وجيزة بمظاهر الإفراط في الثقة بالنفس وبوصوله إلى الرئاسة، في رفع ضغط الدم عند بعضهم، على الرغم من تأكدهم جميعا أن الرئيس الحريري لا يمكن أن يسير المسار الذي استرسل محيطون بعون في رسم علاماته.
من كل الجهات لا تهب رياح الحريري في أشرعة الجنرال الذي لا يزال ينتظر بعد حلول الفراغ في قصر بعبدا. من جهة ثمة انتفاء للمصلحة عند الرئيس السابق للحكومة في معاكسة المزاج العام لقاعدة "المستقبل " الشعبية، قاعدة لا ترى في عون سوى حليف وثيق الصلة بـ"حزب الله" وحلفاء هذا الحزب. ومن جهة يدرك رئيس "المستقبل" أن الخيار الذي يلاحقه به الجنرال مباشرة وبالواسطة من الرياض إلى باريس وما بينهما، يعني بوضوح التخلي عن تحالف قوى 14 آذار تخلياً لا عودة عنه، في مقابل نشوء خريطة سياسية جديدة لا تشبه ما سبق. والحريري من أشد المتمسكين بتحالف 14 آذار والمؤمنين به بالرغم من كل علاته، وبضرورة وجوده شبكة أمان لفكرة لبنان بمسلميه ومسيحييه وللأطراف المنضوين فيه، بمواجهة تحديات هائلة يتعرض لها لبنان والمطالبون بإقامة دولة جدية بما تعنيه الكلمة فيه.
ومن جهة لماذا يتفاهم الحريري مع عون حامل الأسهم القليلة في الشركة التي يملك غالبية أسهمها "حزب الله" ولا يتفاهم في هذه الحال مع الحزب نفسه؟ هل يستطيع عون أن يلزم "حزب الله" حلاً لقضية السلاح غير الشرعي على سبيل المثال، أو انسحاباً لمقاتليه من الحرب الدائرة في سوريا؟
بالطبع لا.
لا يجدي هنا التأمل في نظرية احتمال أن تكون جهة أو دولة ما نصحت بالتفاهم مع عون لإبعاده عن الحزب الشيعي المسلح، فالعلاقة بين الحليفين قوية وعميقة، ترتدي أهميتها من وعي كل منهما أهمية حاجته إلى الآخر لحماية نفسه والتأثير في الأحداث اللبنانية وتحقيق أهدافه، وإن اختلفا في العقيدة والمصالح عند بعض النقاط.
دار كلام في أروقة قوى 8 آذار على سلة اتفاقات مع الحريري لتبديد المخاوف من مرحلة ما بعد "عودة عون" إلى القصر، تبدأ بتثبيت ما سبق ما تحقق من إنجازات عبر حكومة سلام، وصولاً إلى عودة الحريري ليس إلى لبنان بل إلى رئاسة كل الحكومات في "عهد عون الإفتراضي"، لكن رئيس "المستقبل" لا يحتاج إلى تأييد عون ليترأس الحكومات إذا شاء، فهو رئيس أكبر كتلة نيابية وأكبر كتلة شعبية بين المسلمين السنة. بعون وبدونه يترأس الحكومات إذا شاء.
إلا أن الحريري لن يقطع الحوار مع رئيس "تكتل التغيير والإصلاح" لسبب بسيط أن لا إيجابية يقدمها إلى الوضع اللبناني عَكسُ الأجواء الهادئة والمفتوحة على حلول موضعية ينعم بها اللبنانيون حاليا، وسط منطقة تغلي ويلف مصيرها ضباب قاتم من إيران إلى العراق وسوريا. هناك مصلحة للجميع في الإنتظار.