وجه الإئتلاف السوري رسالة إلى الشعب اللبناني جاء فيها:

" الأشقاء اللبنانيون الأعزاء:
 
تحية أخوية صادقة من سورية الثائرة على الاستبداد ، الصابرة على الجراح ، إلى لبنان الحبيب بكل أهله الذين شاركونا في مدى أربعين عاماً تجرُّعَ المرارات من كأس نظام الأسد المجرم بحقّنا وحقّهم.
هذه رسالتنا إليكم ، بعد رسالتين سابقتين من المجلس الوطني السوري في 25 كانون الثاني و14 شباط 2012 على التوالي ، تحددت فيهما بعضاً من القناعات والتوجهات الأساسية لتكون موضوع تحاور وتناصر فيما بيننا وبينكم:
 
أولاً:إن بين شعبينا تاريخاً مشتركاً وزاهرا ، وحاضراً مشتركاً، ومستقبلاً وافرا، وإن الديموقراطية في سورية دعامةٌ لاستقلال لبنان ، كما أن الدولتين السيدتين الديموقراطيتين في سورية ولبنان هي أيضا دعامةٌ لدولة الاستقلال الوطني المنشودة في فلسطين. 
 
ثانياً:إن هذه الحقيقة لا تخوّل أحدا العمل من أجل الوصاية على لبنان واستتباعه ، كما فعل نظام الأسد تحت مقولة "شعب واحد في بلدين" ، وإنما تدعونا إلى احترام استقلالكم واعتماد سياسة واحدة قائمة على عدم التدخُّل من قبل أيّ منا في الشؤون الداخلية للآخر . وعليه فإننا ما زلنا وسنبقى عازمين ، بالتوافق مع حكومتكم الشرعية المستقلّة ، على إعادة النظر في الاتفاقيات والمواثيق الموقّعة إبّان زمن الوصاية البغيضة على لبنان ، وسنعمل على إقامة علاقات دبلوماسية سويَّة بين البلدين ، ونرسم الحدود ، كما سنحقّق جدياً في ملف المعتقلين والمفقودين اللبنانيين كي نطويه على وضوح وعدالة ورضا.
 
ثالثاً:كما نجحتم قبل تسع سنوات في الانتصار على نظام الأسد في لبنان ، فان شعبنا السوري العظيم الذي حطم جدران الخوف ، وفجر ثورة الكرامة بالصدور العارية والقبضات الغاضبة سينتصر أيضاً لا محالة. إن ثورتنا  ليست بحاجة إلى استخدام أرضكم اللبنانية في معركتها ، وهي لا تستخدمها بالفعل ، وإنما النظام المجرم هو الذي يحاول جاهداً أن يخلط الأوراق ويكسب وقتاً لن يجديه نفعاً ، فشعبنا مصمّم على الانتصار، مهما كانت التضحيات ، لأنه يدرك بحساب عفوي دقيق أن كلفة التراجع ستكون أشدّ هولاً بعشرات المرات من كلفة الصبر ومواصلة المعركة ، و لن نقبل ربط لبنان بمسار أزمة نظام الأسد، ونحن واثقون بأنكم لن تفبلوا لقضيتنا العادلة غير الانتصار.
 
رابعاً:إن ما نريده لسورية المستقبل هو نظام ديموقراطي ودولة مدنية لمجتمع تعدّدي ، إن نظام الأسد هو الذي اخترع "مسألة أقليات" دينية وعرقية في سورية ، محاولاً استخدامها من أجل استمرار حكم العاىلة ، أما نحن فموحَّدون في وطنييتنا ، عرباً وكرداً وتركماناً وسريانا آشوريين ، سنَّةً ومسيحيين وعلويين وشيعيةً ودروزاً ، وقبل ذلك وبعده مواطنين شرفاء يستلهمون شرعة حقوق الإنسان وكرامة النفس البشرية.

أيها الإخوة اللبنانيون الشرفاء، من جميع المناطق والطوائف والمذاهب والأحزاب.
إننا اليوم نرى أن من واجبنا أن نضع أمامكم صورة ما آلت إليه الأمور في جانبنا:
لم تعد سورية بلداً منكوباً فحسب ، بل أصبحت مسرحاً لجريمة العصر، ينفّذها نظامٌ وحشيٌّ بدم بارد ، وبكل ما يمتلك من أسلحة بما فيها أسلحة الدمار الشامل ، إلا أن ما يُضاعف هذه الجريمة ويؤرّق كلّ ضمير حيّ ، هو صمتُ القوى الفاعلة في العالم والمنطقة، لا سيما مجلس الأمن الدولي، ذلك الصمت المطلق الذي يتراوح بين التواطؤ والتقصير.

من أخطر الوقائع الراهنة ، نزوح أكثر من مليون سوري حتى الآن إلى لبنان هرباً من الموت الذي ينشره النظام في جميع أنحاء سورية ، هذا هو السبب الرئيس والجوهري للنزوح السوري ، وظالم أو متجاهل من يعزوه إلى سبب آخر، إننا ندرك تماماً ما يرتّبه هذا النزوح من أعباء تفوق قدرة لبنان على الاحتمال ، ديموغرافياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً ، ما لم يتمّ وضع حدّ للجريمة المتمادية على أرض سورية ، وفي مطلق الأحوال فإن هذا النزوح قهريٌّ ومؤقَّت ، محكومٌ بعودة أهلنا الكاملة إلى ديارهم ريثما تنجلي الغُمَّة ، ولا داعي لأية خطابات تحذيرية من توطين افتراضيّ،  وفي هذا الصدد يشدّد الائتلاف الوطني السوري على القضايا التالية:

إن من حق الدولة اللبنانية على المجتمعين العربي والدولي ، لا سيما هيئات الإغاثة والحكومات المانحة ، أن تتلقى المساعدات العاجلة والوافية بمهمة رعاية النازحين على نحو لائق ، وباسم الحق والواجب الانساني نحثُّ الجهات المعنيَّة على تلبية النداء.
 
إن  من حق الدولة اللبنانية أن تمارس سيادتها على أرضها ، كما من واجبها أن تنظم عمليات الإيواء والرعاية بما يراعي كرامة النازحين ولا يجافي القانون ، وفي هذا المجال نتمنى على الدولة اللبنانية ، فيما هي تمارس حقها وتقوم بواجبها ، ألا تسمح بتسليم النازحين الهاربين من بطش نظام الأسد إليه بذريعةٍ أو بأخرى.
 
إن الائتلاف الوطني السوري يمدّ يده إلى الحكومة اللبنانية وهيئات المجتمع المدني ذات الصلة، للتعاون في ما يخفّف الأعباءَ عن لبنان والمعاناةَ عن النازحين ، بكل إمكاناته المتاحة ، هذا بمعزل عن أية اعتبارات سياسية.
 
من أشدّ الظُلم الواقع على انتفاضة شعبنا وسْمها بـ"الإرهاب"، فيما يدّعي النظام المجرم أنه يدافع عن السلم والاستقرار والأقليات في وجه التكفيريين الإرهابيين ، والحال أننا أمام "إرهاب دولةٍ" موصوف ، تشهد عليه براميل النظام المتفجرة وأسلحته الكيميائية والتدمير المنهجي لكل معالم الحياة والحضارة لبلدنا ، هذا فضلاً عن نحو ربع مليون شهيد حتى الآن ، وملايين النازحين والمشردين في أرضهم وخارجها. إلى ذلك فإن شعبنا يعاني إرهاب دولة أخرى ضده ، هي إيران، من خلال إرسالها قوات من "الباسيج" الإيراني و"حزب الله" اللبناني لقتل شعبنا ، كذلك لم تعد تخفى علاقة الإرهابيين التابعين لتنظيم "القاعدة" ، من "داعش" وغيرها ، بأجهزة المخابرات السورية والايرانية ، حتى إن هذه المجموعات لا تقاتل عملياً إلا الجيش السوري الحرّ والتشكيلات العسكرية العاملة تحت رايته ، لقد كشفت الوقائع ، زيف ذلك الادعاء ، وأعلن الائتلاف الوطني السوري صراحةً أنه يرفض الإرهاب ، أكان تكفيريا سنياً أو شيعياً ، وأنه يعتبرهما وجهين لعملة واحدة ، بإدارة منسَّقة إن لم نقُل واحدة ، ولا يفوتنا بهذه المناسبة أن نذكّر بعض الشيعة اللبنانيين ، ممن يأتون اليوم لقتال شعبنا إلى جانب النظام المجرم – نذكّرهم بأن أرض سورية الحبيبة هي التي احتضنت مقام السيدة الطاهرة زينب رضي الله عنها ، على مدى مئات السنين ورعت حرمته ، كما أنها تحتضن رفات المرجع الشيعي الكبير السيد محسن الأمين العاملي ، مثلما احتضنته في حياته سيداً مطاعاً مكرَّماً ، كذلك نذكّر هذا البعض بأن سورية فتحت قلبها وبيوتها في الأعوام 1993 و1996 و2006 للجنوبيين الهاربين من وحشية العدوان الإسرائيلي ، فضلاً عن احتضان مئات الوف اللبنانيين من كل المناطق إبّان الحرب الأهلية المشؤومة ، إننا والحالة هذه أمام خطيئة كبرى لا يعصمنا من هول تداعياتها الراهنة والمستقبلية إلا رحمةُ الله واستنفار جهود كل العقلاء ، هذا ولا بد من القول بأن الدولة اللبنانية تأتي في طليعة المكلفين بوضع حدّ حاسم لهذا الزلل التاريخي الكبير ، وإننا إذ ندين قتال "حزب الله" في سورية، فإننا نرفض أي ردّ فعل انتقامي ضد إخوتنا الآمنين في لبنان لأي طائفة انتموا.

إن ثورة شعبنا ، من أجل الحرية والكرامة والديموقراطية والدولة المدنية ، لا تنشد إلا الاستقرار والسلام الدائم لسورية والمنطقة ، هذا الاستقرار والسلام لا يوثقهما إلا سلام دائم وعادل وشامل , يعيد الأراضي العربية المحتلة  ويحقق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني.
 
المجد لشهداء استقلال لبنان
 
المجد لشهداء الثورة السورية الذين يكتبون بدمائهم مستقبل سورية ولبنان والمنطقة
 
والنصر القريب لثورتنا."

 

المصدر: يقال.نت