اميل خوري

لا رسالة الرئيس ميشال سليمان الى مجلس النواب التي تحض على حضور جلسات انتخاب رئيس جديد تطبيقاً للدستور، ولا رسائل بكركي التحذيرية التي تدعو الى الشيء نفسه وتبلغ حد رمي المعطلين بالعار يسمعها الذين يقاطعون الجلسات للحؤول دون انتخاب رئيس جديد ما لم يكن الرئيس الذي يريدونه، ولا همّ عندهم إذا كان فراغ في منصب الرئاسة الاولى قد يفتح الابواب لدخول الفوضى الى لبنان، لأنهم يسمعون رسالة واحدة هي التي تأتيهم من وراء الحدود...

الواقع ان "حزب الله" ومن معه في قوى 8 آذار، لو كان يريد أن تجرى الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري لكان قرر ترشيح العماد ميشال عون منافساً للدكتور سمير جعجع مرشح قوى 14 آذار لتأخذ اللعبة الديموقراطية مداها، فاما يفوز أحدهما بالاكثرية المطلوبة، وإما ينسحبان لمرشحين آخرين قد يفوز احدهم بها. لكن "حزب الله" نجح في اقناع العماد عون بأن يكون مرشح وفاق لا مرشح صدام مع جعجع، وكي يكون كذلك عليه ان يفتح حواراً مع رئيس "تيار المستقبل" الرئيس سعد الحريري، إذ من دون موافقة نواب "التيار" على انتخابه لا حظّ له في الفوز وسيكون شأنه عندئذ شأن ترشيح جعجع. وهذا ما لا يليق به... وقد "قبض" العماد عون نصيحة الحزب وضاع في حوار مع الحريري امده ولم ينته، لا بل صدّق عون أنه مع كل مواقفه السلبية من الحريري ومن نواب كتلته واتهاماته له وللرئيس فؤاد السنيورة يستطيع أن يصبح مرشح وفاق، من دون أن يحسب حساباً لمسيحيي 14 آذار الذين لهم حق الاختيار أيضاً إن لم يكن حق "الفيتو". وكان هذا الحوار العبثي الطويل بين "التيار الوطني الحر" و"تيار المستقبل" يستهلك وقت المهلة الدستورية ويعطل نصاب جلسات الانتخاب الى ان تجد 14 آذار نفسها بين خيارين: إما أن تنتخب عون رئيساً للجمهورية، وإما أن تواجه البلاد فراغاً قاتلاً.
ووضع "حزب الله" بعد خدعة الحوار آلية جديدة لانتخاب الرئيس، خلافاً لما ينص عليه الدستور، وهذه الآلية لا تعترف بالنظام الديموقراطي الذي بموجبه يعلن فوز من نال الاكثرية النيابية المطلوبة بالرئاسة، بل تعترف بنظام غير موجود هو "النظام التوافقي" الذي يطبقه الحزب ساعة يشاء. وهو ان لا جدوى من عقد جلسات للانتخاب ما لم يسبق عقدها اتفاق على مرشح للرئاسة. وهذا يؤكد أن "حزب الله" لا يعترف بالنظام الديموقراطي أساساً للانتخابات في لبنان ولا بالاقتراع السري الذي ينص عليه الدستور. حتى إذا ما انتهت المهلة الدستورية ولم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون الحزب قد أعطى لايران ورقة ضغط ومساومة تضاف الى أوراقها في المنطقة تطرحها على الطاولة عند عقد اللقاء مع السعودية، علَّ رئيس جمهورية لبنان يخرج من هذه الاوراق في صفقة تعقد بين الدولتين وإن على حساب لبنان، أو تكون ورقة لبنان ورقة خلاف بين ايران والسعودية إذا لم تكن للبيع والشراء. ويبقى العماد عون خلال هذا الوقت ينتظر ويحلم بالرئاسة وعينه على القصر في بعبدا. فلو أن قوى 14 آذار كانت تريد أن تلعب لعبة تعطيل الانتخابات كما تفعل قوى 8 آذار، لما كانت قررت ترشيح الدكتور جعجع بل كانت طلبت منه فتح حوار مع "حزب الله" علّه يكسب أصوات نوابه فيصبح فوزه بالرئاسة مضموناً، ومن دون هذه الاصوات تصبح حظوظه معدومة وترشحه مجرد تسجيل موقف. لكن لا 14 آذار فعلت هذا لانها تريد انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية، إن لم يكن جعجع فسواه ممن يستطيعون الفوز بالاكثرية النيابية المطلوبة، ولا كان جعجع قبل بما قبل به عون لو أن 14 آذار اشترطت عليه الحوار مع "حزب الله" لأنه واهم مَن يعتقد ان "حزب الله" يوافق على انتخاب جعجع، وواهم ايضاً من يعتقد كما اعتقد عون ان نواب "المستقبل" يوافقون على انتخابه رئيساً للجمهورية، فلا جعجع مستعد لأن يبقي على سلاح "حزب الله" إلى جانب سلاح الجيش، ولا عون مستعد لأن يطلب من الحزب التخلي عن سلاحه ولا عن ورقة التفاهم لكي يقنع نواب "المستقبل" بانتخابه.
لذلك فإن مسرحية الحوار بين عون والحريري، وهي من إعداد "حزب الله" واخراجه، هدفها تمرير المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية لئلا يكون انتخابه من صنع لبنان لأن الحزب ومن معه لا يملكون الاكثرية المطلوبة التي تضمن فوز مرشحهم الذي هو من صنع الخارج، والخارج في نظر الحزب هو ايران التي تملك للمرة الاولى في تاريخها السياسي أوراق حل وأوراق "خربطة" في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين، وصار لها في المنطقة أصابع الاخطبوط التي تستطيع أن تضرب بها في كل مكان حتى في مصر وفي فلسطين من خلال وجود أجنحة عسكرية لها في هذه الدول.
لقد حلَّ سلاح التعطيل والفراغ في لبنان مكان سلاح الوصاية السورية عليه منذ عام 2005، وبهذا السلاح استطاعت قوى 8 آذار بقيادة "حزب الله" فرض ما تريد على قوى 14 آذار التي تشعر عندما تصل البلاد الى حافة الهاوية بأنها وحدها "ام الصبي" فتقدم التنازلات تلو التنازلات.
إن الانقسام الحاد بين 8 و14 آذار لن يأتي برئيس للجمهورية من أي منهما، إنما يأتي برئيس تسوية كما تألفت حكومة "المصلحة الوطنية" بتسوية ولكن بعد 11 شهراً. فعسى ألا تطول مدة الاتفاق على رئيس تسوية وقبل خراب لبنان.