لا زال السجال دائراً حول زيارة البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي للأراضي المقدسة، مع اتساع  دائرته في ظل تخوّف وتحذير من الآثار السلبية التي ستخلفها هذه الزيارة.

فبينما تتردّد الأصوات التي تحذّر من تداعيات هذه الزيارة، يعلو صوت الكنيسة المارونية مؤكّداً على أن هذه الزيارة هي رعوية وأن "البطريرك الراعي ليس ذاهباً لهدف سياسي أو للتطبيع مع اسرائيل".

فكيف ينظر القانون إلى زيارة المواطن اللبناني بشكل عام إلى اسرائيل، بصفتها دولة معادية، وكيف ينظر بشكلٍ خاص إلى زيارة البطرك الراعي لها، والمرتقبة في الأيام المقبلة..؟؟

فكان لموقع لبنان الجديد اتصالاً خاصاً مع المحامي القدير الأستاذ "أنطوان نعمة" والذي أوضح لنا بالتفصيل كيف ينظر القانون إلى هذه القضية.

فأكّد المحامي أنطوان نعمة على أنه: "في العودة إلى قانون العقوبات وفي المواد التي تحظّر جنايات الخيانة والتجسس، نجد بأن القانون لن يحدد من هو العدو ولكن في العلاقات الدولية نرى أن العدو فيما يتعلق بلبنان اليوم هو العدو الإسرائيلي حصراً وتحديداً. أما فيما يتعلّق بموضوع زيارة المواطنين اللبنانيين أو غير اللبنانيينأي حتى الرعايا العرب المتواجدين على الأراضي اللبنانية، فالقانون مادة (285) يحظّر هذا الأمر ويجعل منه جرماً بالنظر إلى العقوبة المقرّرة له، والتي أقصاها ثلاث سنوات، وهو لايقرّه إن لم بإذن.وهذا النص وجد أصلاً من أجل ضبط حركة الرعايا العرب الفلسطينين عندما أتوا ولجؤوا إلى لبنان، لأن بعضهم كان يحاول العودة تحت ستار الظلام إلى منزله في الأرض المحتلة ومن ثم يعود مجددا إلى لبنان، فلضبط هذه الحركة وُجد هذا النص الذي لا يفرّق بين المواطن اللبناني وبين الرعايا العرب بالنظر إلى الدخول بإذن، هذا في القانون.

أما في الاجتهاد فيأتي قرارمحكمة التمييز الجزائية الغرفة السادسة (رقم 34 تاريخ 29-2-2000)، وهو منشور في مجموعة صادر للتمييز القانون الجزائي – 2000، صفحة ،443 ليفيد أن مجرّد الدخول إلى بلاد العدو، مع التحفظ على تعبير بلاد العدو، لأن لبنان لا يعترف بفلسطين المحتلة على أنها بلاداً للعدو الاسرائيلي، فالاعتراف بين لبنان وما يسمى  بالكيان الصهيوني الغاصب غير قائم. هناك في التوصيف التشريعي أيضاً نوع من الثغرة في التعبير. ولكن لو جئنا إلى النص على علّاته فإن الدخول إلى ما يسمّى بلاد العدو لا يعتبر دليلاً كافياً للتجريم لأن الدخول إلى أرض العدو ما لم يكن بقصد الخيانة فلا يمكننا أن نجرّمه، وهذا ما أصرّ عليه التمييز الذي ذكرنا رقمه والغرفة التمييزية السادسة التي أصدرته ولقد كانت في ظرفه في ذلك التاريخ برئاسة القاضي الشهير الألمعي "الرئيس رالف رياشي" وهو الآن نائب رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، وبعضوية المستشار "جوزيف سماحة" والذي هو يرأس الآن الغرفة السادسة التمييزية الجزائية وقد خلف الرئيس رياشي.

ومن هذا المنطلق وبالنظر إلى زيارة البطرك الراعي إلى الأراضي المحتلة ننظر إليها في الإطار المعطى لها على أنها زيارة لتفقّد الموارنة الفلسطينيين، الذين يقعون تحت الاحتلال وهي أبداً ليست بزيارة مستهجنة ولسبب واضح وجليّ، هو أن للطائفة المارونية الكريمة في لبنان مطران للأراضي المقدسّة، يقيم في الأراضي المقدسة في القدس. وبالتالي حركة هذا المطران هل توصّف كدخول غير مأذون لأراضي العدو وهو تابعٌ في السلطة التسلسلية لسلطة البطرك الماروني. فمن باب أولى أنه لا يجب علينا أن نقف موقف المستغرب من هذا الأمر لأن هذا الأمر هو حصيلةٌ حاصلة وهدفه فقط تعزيز صمود الفلسطينيين الموارنة الواقعين تحت الاحتلال من باب القيام بزيارة رعوية تفقدية لهم من راعي الطائفة الأكبر غبطة البطريك الماروني."  

 

وبناءً عليه فليس هناك أي ثغرة قانونية تمنع الراعي من زيارة الأراضي المقدسة، ولكنّها مجرّد ثغرات مرَضِيّة من أفرقاء السياسة في لبنان الذين اعتادوا على اختلاق المشكلات.

وربّما غاب عن منتقدي البطريك الراعي بأن ما ينعتونه باسرائيل اليوم كانت وستبقى فلسطين، وفلسطين هي مهد الديانة المسيحية، وتجدر الإشارة إلى أن الوجود المسيحي في فلسطين قدّر بأقل من 1% من الوجود المسيحي العالمي في عام 2013، ولا شك بأن هذا الرقم مخيف، ويجب الالتفات إليه، ودعمه من قبل كل رجال الدين المسيحيين في العالم للتأكيد على أن "فلسطين مهد المسيح" هي عربية وليست عبرية.

نهلا ناصر الدين