تعاني اليوم العلاقات الروسية – الاميركية حالة من التوتر والتصعيد السياسي والدبلوماسي والإعلامي لم يسبق له مثيل جراء المشكلة الاوكرانية الاخيرة  والتي يصورها البعض على انها عودة الحرب الباردة بين العملاقين قد تصل حد المواجهة العسكرية .

ان فشل مفاوضات جنيف-2 والخروج من المؤتمر دون اي نتائج تذكر والذي عرف باتفاق الوزيرين الاميركي والروسي كيري - لافروف  ، ازعج الادارة الاميركية التي كانت قد ابرمت اتفاقا مع روسيا حول الملف السوري والعديد من الملفات الاخرى، لكن التعنت الروسي والعنجهية الروسية اوقفت تنفيذ اي تقدم سياسي، وحتى فشلوا( روسيا اميركا) في التوصل الى حل انساني يتم عبره ادخال الدواء والمواد الغذائية الى حمص ، لذلك كان كلام كيري واضحا": لقد فشلنا في التوصل  الى حل، فالمشكلة ستكون في الجنوب الاوكراني"..

لم تنتبه الدبلوماسية الروسية وتحديدا وزيرها الاول سيرغي  لافروف بان افشال جنيف-2 والعودة دون التوصل الى اتفاق لحل الازمة السورية سوف تدفع روسيا ثمنه غاليا ،وبخاصة بعد ان كانت الادارة الاميركية قد اعتمدت على موسكو في منطقة الشرق الاوسط كدولة كبيرة من الدرجة الثانية في حلحلة بعض الملفات الكبرى،  وخاصة الملفين الكيماوي السوري، والنووي الايراني.  ذهب الروس بعيدا في تحليلهم الاستراتيجي، واعتبروا ان التراجع الاميركي في الشرق الاوسط هو نجاح لسياستهم التصعيديه والهجومية ،واعتقدت روسيا ان خروج الولايات المتحدة من المنطقة سيمكنها من احتلال الموقع الاميركي . لكن فجأة اشعل  الغرب نار جبهة الجنوب الغربي الروسي في اوكرانيا، وكانت الصفعة قوية للروس  والقيصر فلاديمير بوتين في سوتشي حيث  كان يحاول تكريس نفسه قيصرا جديدا لروسيا. انهارت سلطة كييف سريعا لعدم قدرة الروس على الصمود الطويل  فيها ، وحاولوا  عبر الرد العسكري من خلال المناورات وعرض العضلات في جزيرة القرم ، لكن الرد الاميركي هذه المرة كان قاسيا ، وعبر خطاب اختلف كليا حيث بدأت المواجه قاسية وشرسة بين الطرفين، وغير متكافئة، فكان الارتباك الروسي واضح لعدم القدرة الفعلية على تنفيذ اي قرار سريع، بالرغم من كون البرلمان الروسي منح الرئيس فلاديمير بوتين حق التصرف العسكري كونه القائد الاعلى للقوات المسلحة .

وبالرغم من محاولات الاتصالات التي يجريها الرئيس الاميركي براك اوباما مع نظريه الروسي فلاديمير بوتين والهادفة الى محاولة اعادة استقرار اوضاع الدولة الاوكرانية،  لكن الادارة تهيئ الى نشوب حرب باردة بين البلدين. وتقوم الخطة الاميركية على فتح كل  الملفات على مصراعيها من اجل التوصل الى حلول جذرية ومتعددة، وربما اوكرانيا هي المفتاح الفعلي لهذه الملفات التي كانت روسيا قابضة عليها من خلال السكوت الاميركي ،وبالتالي تحاول واشنطن من خلال اللهجة الجديدة التي تستخدمها بعد  ثلاثة سنوات من السكوت على التصرفات الروسية وخاصة في  الازمة السورية من خلال الآتي:

اولا،تبادل في الملفات، وخاصة الملف السوري مع الملف الاوكراني، ثانيا، افهام موسكو بأنها لا تستطيع التفرد بأوكرانيا لوحدها وإدارة ملفها منفردة كما كانت ثالثا، محاولة استنزاف روسيا اقتصاديا وجرها لحرب باردة من جديد, رابعا تحاول اميركا من خلال ازمة اوكرانيا افهم الروس مجددا بان روسيا دولة اقليمية قوية جدا، ولكن لا تزال واشنطن هي السيدة والناهية في العالم من خلال التلويح بعقوبات اقتصادية، وتتكلم بلهجة قاسية مع الروس، تجلىّ ذلك من خلال ارسال قوات عسكرية الى قواعد حربية قريبة من الخاصرة الروسية.

وبحسب محادثة كيري-لافروف الجديدة بخصوص اوكرانيا  اللذين اتفقا على ضرورة حل الأزمة السياسية الأوكرانية دون عنف، والعمل على تشجيع أوكرانيا للتحرك صوب تغييرات دستورية. فلروسيا  هواجس كثيرة لجهة  وصول جماعات الغرب الاوكراني المتطرفة (جماعات متشددة وخارجة عن القانون وترفض إلقاء السلاح)، فروسيا  تطالب الغرب بكبح تحركات الجماعات الراديكالية غير المشروعة، وتسوية الوضع بشكل سلمي، وفقا لاتفاق 21 فبراير الذي تم توقيعه بين الرئيس الاوكراني المعزول فيكتور يانوكوفيتش والمعارضة  برعاية اوروبية.  وبالتالي هذا التوتر السياسي بين البلدين سوف يزيد الصراع السياسي في لعبة شد الحبل بين الطرفين لتحسين شروط التفاوض القادمة على تحسين مواقع الطرفين  وبالتالي أميركا وروسيا .. . وهنا السؤال الذي يطرح نفسه: هل تلعب روسيا وأميركا لعبة الشطرنج أم بالدم في أوكرانيا وسوريا؟؟

ومن خلال ما سبق، سوف تبقى الامور كما هي عليه بانتظار 25 ايار والانتخابات الاوكرانية القادمة ولمن ستكون الغلبة فيها  ،لان بداء العملية الانتخابية ستضع الجميع امام تحدي اقتصادي قوي في كيفية دعم "الحلفاء" في هذه الانتخابات، وبالتالي روسيا لن تشهر أي سلاح اقتصادي بوجه الغرب كي لا تعتبر بأنها رفعت هذه الاوراق  بوجه الشعب الاوكراني وليست ضد جماعة متطرفة .

وعلى الرغم من الاستفتاء الذي حصل في القرم  في 16 اذار\مارس الحالي،  والذي قوبل  بتوقيع اتفاق شراكة سياسية  مع الحكومة الاوكرانية الحالية مع الاتحاد الاوروبي بتاريخ 22 مارس 2014، انما يدل على ممارسة الضغوط لتحسين الشروط. هي لعبة الامم بامتياز .

فالإستراتيجية الروسية التي اعتمدت قضم الاراضي من خلال عملية الضم السريعة لجزيرة القرم والتوجه نحو النظر بمستقبل اوكرانيا والجالية الروسية فيها .لكن الغرب الذي كان شاهدا على تصرفات روسيا العدائية كان يرى بان توجه موسكو نحو الغرب سوف يجسد قوتها اكثر في كييف والتسريع في اجتذابها نحو البيت الاوروبي.وبظل هذه المواجهة  السياسية والإعلامية والدبلوماسية بين الطرفين تصدرت المواجه من جديد حرب اللوائح والعقوبات بحق الاشخاص والكيانات الاقتصادية.والجدير ذكره بان كل العقوبات الاقتصادية تبقى ضعيفة طالما لم تشير الى اسم الرئيس فلاديمير بوتين شخصيا صاحب القرار الاول والأخير في هذا التصعيد.

فالمعركة العسكرية مستبعدة جدا، وأي تصعيد عسكري روسي في اوكرانيا سيكون الرد عليه اميركياً بتصعيد عسكري في سورية، وبالتالي روسيا ستكون اكثر براغماتية حفاظا على مصالحها الاقتصادية والجيوسياسية، لكونها هي المتواجدة على الارض الاوكرانية وأميركا قريبة من الخاصرة عبر التحالفات القديمة  .

د.خالد ممدوح العزي.

كاتب اعلامي ومختص بالشؤون الروسية ودول اوروبا الشرقية .