المراقب للواقع العربي والإسلامي لا يلحظ سوى المزيد من الأزمات والعنف والقتل والانحدار أكثر وأـكثر نحو حروب أهلية معلنة أو مستترة، ولعل ما جرى من مناقشات وما ألقي من كلمات خلال انعقاد القمة العربية الأخيرة، يؤكد على خطورة ما يجري.

فالقضية الفلسطينية التي كانت ولا تزال القضية المركزية لدى العرب والمسلمين تراجع الاهتمام بها وتقدمت إلى الواجهة التطورات في سوريا ومصر والعراق والبحرين وليبيا واليمن، ولم يعد هناك اهتمام كافي بما يجري على الشعب الفلسطيني من عدوان وتهديد وقتل.

وأصبح عدد اللاجئين السوريين (وللأسف) يفوق عدد اللاجئين الفلسطينيين، وعدد الضحايا والجرحى من الشعب السوري وصلت إلى أكثر من مئتي ألف خلال ثلاث سنوات، والأزمة لا تزال مستمرة والقتال يمتد إلى مناطق جديدة دون أن نشهد أي أفق لحلول سياسية وعملية.

وأما في مصر فالأوضاع تتفاقم وآخرها قرار محكمة المنيا بإعدام المئات من أنصار الرئيس المصري المخلوع الدكتور محمد مرسي، وفي حال نفذت هذه القرارات فإن مصر ستتجه حكماً إلى ما يشبه الأوضاع في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، أي إلى حرب أهلية وأمنية مفتوحة ولن يكون لها أفق واضح.

وفي البحرين فشلت كل المحاولات للوصول إلى حلول سياسية وبدأت ملامح تصعيد عسكري وأمني من خلال العبوات الناسفة في مواجهة التصعيد الرسمي ضد المتظاهرين والمحتجين.

وأما ليبيا فالأوضاع فيها لا تنبئ بخير في ظل استمرار النزاعات السياسية والعسكرية والأمنية والخوف الكبير من أن تتجه نحو التقسيم والتقاتل القبلي والمناطقي.

وفي لبنان، ورغم تراجع عدد العمليات الانتحارية والتفجيرية(وان كانت التفجيرات بدأت تطال حواجز الجيش اللبناني)، فإن الاشتباكات تنتقل من منطقة إلى أخرى ولا تزال تداعيات الأزمة السورية تطغى على كل شيء.

كما تستمر الأوضاع المتوترة في العراق أمنياً وسياسياً دون حلول جذرية في الأفق المنظور.

ولن نتابع سلسلة الأزمات في الواقع العربي والإسلامي لأن السلسلة تطول والقتلى والجرحى يسقطون كل يوم ولا مجال لتعدادهم، والكل يساهم في الصراع من حيث يدري أو لا يدري دون أن يقدَّم أحدهم مبادرات جدية وعملية لوقف هذا الانهيار المستمر.

الأنظمة الجديدة تحاول أن تفرض وجودها على الواقع الجديد حتى لو كان ذلك على حساب الحريات والقمع والاعتقالات.

والقوى المعارضة إسلامية أو علمانية مصرة على أدائها وهي غير مستعدة لإجراء مراجعات حقيقية أو إعادة البحث فيما يجري من أجل الوصول إلى حلول عملية.

هذه الصور السلبية لا تعني عدم وجود مؤشرات إيجابية في هذا الواقع المظلم، فتونس تشهد حالياً عملية انتقال دستورية للسلطة وهي تستعد لإجراء انتخابات رئاسية ونيابية بعد الموافقة على الدستور الجديد وتشكيل حكومة جديدة والصراع في تونس اقتصر على الجانب السياسي ولم يتحول إلى صراع أمني وعسكري رغم حصول بعض عمليات الاغتيال والقتل، والحركة الإسلامية في تونس تشهد مراجعة دائمة وهناك تنوع في الآراء، ولذا شهدنا مؤخراً استقالة الأمين العام لحركة النهضة حمادي الجبالي مما يشير لبروز آراء متعددة داخل هذه الحركة.وقد شهدت تونس مؤتمرا مهما حول الانتقال الديمقراطي والقيت فيه كلمات ومواقف مهمة حول ادارة اليلاد وتطوير الخطاب الديني.

ورغم الأوضاع اللبنانية الصعبة فإن البلاد دخلت في مرحلة انتخاب رئيس جديد، بعد أن نالت الحكومة الثقة مما يؤكد إمكانية حصول تغيير ديمقراطي إذا قررت القوى السياسية الداخلية ذلك رغم كل التوترات الأمنية.

وقد بدأنا أيضاً نشهد نقاشات وحوارات داخل الأوساط الإسلامية حول التجربة الإسلامية ودور الحركات الإسلامية في الثورات الشعبية، كما أن هناك محاولات جدية لإعادة الحوار والتواصل بين بعض القوى الإسلامية وبينها وبين الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مما قد يحمل مؤشرات إيجابية في المستقبل، كما تعقد بعيداً عن الإعلام اجتماعات ولقاءات لقوى إسلامية فاعلة للبحث في الموقف والخطاب والأداء.

إذاً نحن في أزمة مستمرة، ورغم وجود مؤشرات إيجابية فإن الصورة العامة ليست إيجابية وكل ذلك يتطلب مبادرات جدية ومحاولات حقيقية لإنقاذ الواقع العربي والإسلامي من الهاوية السحيقة التي نسير نحوها. فهل من يتجاوب مع النداء؟