"معاناة" هذه هي الكلمة التي تختصر ماضيهم وحاضرهم وربّما مستقبلهم.

هربوا من قصف البراميل ليلقوا قصف الألسن، هربوا من سواطير التطرّف ليلقوا سواطير العنصرية، هربوا من ظلم الحاكم ليلقوا ظلم التحكّم ، باختصار.. هربوا من ماضٍ مرّ إلى حاضرٍ أمرّ.

فعلى الرغم من أن بعض اللبنانيين يعتقد بأن تدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان بات يمثل عبئاً على بلادهم، لا زال هناك من يرى بأن سورية احتضنت المهاجرين اللبنانيين أثناء الحرب الأهلية وخلال حرب تموز 2006 وأنه من واجب اللبنانيين "الاعتراف بالجميل" واحتضان اللاجئين السوريين ومساعدتهم إلى حين انفراج الأزمة في بلادهم.

ويعتبر لبنان المستقبل الأكبر للاجئين السوريين، حيث اقتربت أعدادهم من المليون لاجئ، وفقا للأمم المتحدة، فيما أشار مسؤولون لبنانيون إلى أن الأعداد أكثر من ذلك، في وقت اشتكى لبنان مراراً من الأعباء التي يتحملها نتيجة تزايد أعدادهم على أراضيه.

"أهلا باللاجئين والعمال السوريين في لبنان .. عذراً على ما يفعله العنصريون منا" ، "النازح السوري مش عدوّك .. عدوّك اللي كان سبب نزوحه" ، هذه العبارات وغيرها العشرات من العبارات الداعمة للنازحين السوريين في لبنان عُلـّقت في عدد من شوارع وساحات بيروت،في حملة "لا للعنصرية ضد السوريين في لبنان" ، هذه الحملة التي لاقت تأييد المئات من الناشطين اللبنانيين على شبكات التواصل الاجتماعي. حيث يتعرّض بعض اللاجئين والمقيمين السوريين في لبنان لمضايقات عنصرية تدفع بعضهم إلى النزوح ثانية نحو دول أخرى.
واستنكرت الحملة  تورط بعض الجمعيات والجهات باستغلال معاناة اللاجئين السوريين للحصول على تمويلات أجنبية، يحصل منها المعنيون بالأمر على بعض الفتات فيما يستأثر المشرفون على هذه الجمعيات بالنصيب الأكبر منها.

وتجدر الإشارة هنا إلى المرأة السورية "مريم خولة" التي أقدمت صباح اليوم على إضرام النار في نفسها أمام مقر الأمم المتحدة في معرض رشيد كرامي الدولي في طرابلس، وسارع الموجودين إلى إخماد النار ونقلها إلى مستشفى السلام. وأوضحت المصادر بأنها قامت بذلك احتجاجاً على عدم حصولها على حصة غذائية منذ ثلاثة أيام لإطعام أولادها الأربعة، وأضافت المصادر أنها امرأة في العقد الخامس من العمر، وكانت تصرخ بأعلى صوتها أمام مقر الأمم المتحدة في طرابلس قائلة: "أنا أقف هنا منذ ثلاثة أيام ولم أحصل على حصة غذائية، وعندي أربعة أولاد"، ومن ثم سحبت قارورة صغيرة من المياه تحتوي على مادة البنزين صبّتها على جسدها قبل أن تقوم بإشعال نفسها بواسطة ولاعة.

ورفض موظفو الأمم المتحدة التعليق على ما حصل، فيما أكد مصدر طبي أن حال المرأة غير خطرة وهي تتلقى العلاج.

ولعلّ النيران التي كانت تلتهم روح مريم من الداخل كانت أكثر حرارةً وأشدّ ألماً من النيران التي أضرمتها في جسدها، فصنعت من جسدها شعلةً تعبّر عن معاناة اللاجئين السوريين في لبنان لتصبح "أم عزيزي سوريا في لبنان"...

نهلا ناصر الدين