يطلّ عيد الأم هذا العام على الوطن العربي بشيء من الخجل الملوّن بلون الدماء والموشّح بوشاح الحزن والأسى، فستقضي العديد من الأمهات العيد بعيداً عن أبنائهن، وكما قال المتنبّي"عيدٌ بأيّة حالٍ عدت يا عيدُ.. فقد عاد إلينا في ظلّ ظروفٍ قاسية، في ظلّ مخاضٍ أليم طالت مأساته وفصوله.

فكيف قضت أمهّات لبنان عيدهنّ اليوم وهنّ إمّا ثواكل الجهل والتعصّب، وإما ثواكل الجهاد المزخرف الذي فضل الله عز وجل رضاهنّ عليه، وإما ثواكل المعتقلات التي تفوح منها رائحة الشوق الذي صدأ على قلوب أمهاتٍ انقطعت أنفاسهم على حافة الانتظار.

موقع لبنان الجديد أحبّ أن يواسي هؤلاء الأمّهات ويشاركهن حزنهن في يوم عيدهن، في يوم الربيع الذي تخلع فيه الطبيعة ثوب الأسى وتلبس ثوب الدفء، ولكن ورود الربيع لم ولن تستطيع أن تُثمر على قلوب تجمّرت من الأسى واللوعة والحرمان وقدمت أغلى ما لديها على مذبح الوطن، ولم ولن يستطيع أن يبدّد الربيع بدفئه برودة أطرافٍ تيبست على قضبان المعتقلات.

فهذه أم الشهيد طارق بدر، طارق ابن ال 27 سنة الذي قضى شهيداً في التفجير الإرهابي الأثيم الذي أودى بحياة الوزير السابق الشهيد محمد شطح في وسط بيروت، لم تشعر بعيدها بعيداً عن روح المنزل "طارق" كما وصفته رغم أن لديها شابين غيره، ولسان حالها "ربيتو 27 سنة ليموت بانفجار..الله ياخدلو حقّو.. الله ينتقم من الظلّام..والله ياخد بحق كل شهيد غايب عن إمو بعيدها". ودعت بالصبر لقلوب كل أمهات الشهداء.

أمّا أم الشهيدة ماريا الجوهري، ماريا التي قهرت الموت بابتسامتها، والتي سقطت بإحدى تفجيرات الضاحية الجنوبية في بيروت، ماريا ابنة ال 18 سنة هكذا كان لسان حال والدتها: "مقهورة وموجوعة بلا بنتي وإمي ماريا.. يا إمي يا ماريا الجنة تحت إجريكي وبعيدك بهاليوم يا إمي وبنتي والدني كلّا.." وعبرت والدة ماريا عن فخرها بعروستها ماريا، وتوجّهت لأمهات الشهداء قائلة: "ما تبكوا رفعوا راسكن وافتخروا" شاكرةً الله عزّ وجلّ على أنه وضعها في مرتبة أم الشهيد.

وماذا عن أمّهات المعتقلين في سجون النظام السوري؟ ماذا عن هؤلاء الّلواتي هرمن على حافة الانتظار. هؤلاء اللّواتي يناجين ربّهنّ ليل نهار من أجل عودة أبنائهنّ، ولم تجف دموعهن رغم طول البعاد.

فهذه أم المعتقل اسكندر صليبا زخريّا الذي طال غيابه 28 سنة، قالت بصوت أوشك على الإنقطاع وتوجّهت إلى ابنها اسكندر: "اشتقتلك يا إمي يا اسكندر.. وينك تجي تعيّدني..أنا اشتقتلك كتير" وتوجهت إلى أمثالها من أمهات المعتقلين قائلة: "الله يصبركن ويصبرني وانشالله بيرجعو ولادنا عن قريب والأمل بالله" وتوجهت إلى من أوقع الظلم على قلبها من دون ذنب وحرمها من ابنها 28 سنة: "اسكندر بريء يا ظالمين..وإذا عمل شي تعو حاسبوه هون..الطفوا بحالنا رح نموت بحسرتون اشفقوا علينا..".

وهذه أم المعتقل دانيال جوزيف منصوراتي الذي مضى على اعتقاله ما يقارب ال24 سنة توجهت عبر موقعنا بصوت تلك المرأة التي لا تريد إلا أن ترى طفلها قبل أن تموت مطالبةً الرئيس السوري بشار الأسد أن يشفق بحالهم ويخرج لهم أولادهم ليكحلوا عيونهم برؤية أولادهم قبل أن يغمضونها إلى الأبد.

لوعة الأم بطفلها أكبر من أن يُعبّر عنها بالكلمات فاعذروني يا أمهات الشهداء وأمهات المعتقلين..فقد سقطت حروفي شهيدةً أمام عظمة بلائكن، واعتُقلت تعابيري خلف قضبان حريّة طال حكم الظالمين عليها...ننحني أيّتها الأمّهات أمام جراحكنَّ، نعظّم تضحياتكنَّ فتقبّلوا مواساتنا الخجولة وتعزيتنا، واسمحوا لنا أن نمسح دموعكن الغالية بأرياف جفوننا يا منارات الأجيال لكن منّا كلّ تبجيل ولعظمتكن كل إجلال...

نهلا ناصر الدين