رغم انشغال الأوساط السياسية اللبنانية بملفي تشكيل الحكومة والوضع الأمني بعد ازدياد عمليات التفجير والسيارات المفخخة، بدأت الأوساط الدبلوماسية الغربية والعربية التركيز في حواراتها ونقاشاتها غير المعلنة على ملف الانتخابات الرئاسية اللبنانية، الذي سيصبح الملف الأول بعد تشكيل الحكومة الجديدة.

وتشير مصادر مطلعة الى «ان مسؤولين ودبلوماسيين أجانب وعرب بدأوا يجرون اتصالات ولقاءات مع شخصيات لبنانية لبحث الخيارات المتوقعة بشأن الانتخابات الرئاسية، وما هي الاحتمالات الواقعية لاجرائها، ومن هي الشخصيات المرشحة التي لها خطوط قوية عالية».

وتضيف المصادر «أن تشكيل حكومة جامعة وبالتوافق مع مختلف الأطراف سيساعد في امكانية اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، مع احتمال التمديد للرئيس ميشال سليمان لفترة قصيرة إذا لم يتم التوافق على شخصية وسطية للرئاسة». أما في حال بروز مشكلات على صعيد تشكيل الحكومة، فإن ملف الانتخابات الرئاسية سيصبح أكثر صعوبة، ما يفتح الباب أمام الفراغ الرئاسي والسياسي. فما هي الاحتمالات المتوقعة بشأن الانتخابات الرئاسية؟ ولماذا هذا الاهتمام العربي والغربي بهذه الانتخابات؟ ومن هي الشخصيات الأكثر حظاً في الوصول الى موقع الرئاسة الأولى؟

الانتخابات والاحتمالات المتوقعة                            

تبرز أهمية الانتخابات الرئاسية اللبنانية نظراً إلى الموقع والدور الذي لا يزال يشغله رئيس الجمهورية في لبنان، داخلياً وخارجياً.

وبعد اجراء هذه الانتخابات ينبغي تشكيل حكومة جديدة تكون منسجمة مع سياسات ومواقف الرئيس الجديد وطبيعة المرحلة السياسية المقبلة.

وتأتي الانتخابات الرئاسية القادمة في ظل ما يواجهه لبنان من تحديات داخلية وخارجية، سواء على الصعيد الأمني أو الاقتصادي أو تداعيات الأمة السورية. وقد حاول الرئيس الحالي العماد ميشال سليمان إطلاق سلسلة مبادرات لمواجهة سلسلة الأزمات والمشكلات التي يواجهها لبنان، ومنها العودة الى طاولة الحوار بشأن الاستراتيجية الدفاعية ومستقبل سلاح المقاومة، واطلاق «اعلان بعبدا»، والدعوة لحياد لبنان، بالاضافة الى تبني نظام النسبية في الانتخابات النيابية، والتحضير لتطبيق اللامركزية الإدارية، واستكمال اتفاق الطائف.

لكن الصراعات الداخلية وتداعيات الأزمة السورية عطلت كل المحاولات التي بذلها الرئيس سليمان، فضلاً عن أن بعض مواقفه من الأوضاع الداخلية والخارجية أدى الى توتر علاقاته مع بعض الأطراف اللبنانية.

واليوم تشكل الانتخابات الرئاسية مدخلاً مهماً لإعادة ترتيب الوضع اللبناني، وكل الاحتملات قائمة وواردة، سواء على صعيد إجرائها في موعدها (ما بين 25 آذار و25 أيار المقبلين)، أو التمديد للرئيس سليمان لفترة سنتين بانتظار تبلور الوضع في سوريا ومن أجل إعطائه الفرصة لاستكمال ما بدأ به من خطوات، وإن كان احتمال عدم اجراء الانتخابات في موعدها يظل قائماً في حال توتُّر الوضع الداخلي.

لكن مصادر سياسية مطلعة تشير «الى وجود ضغوط كبيرة، خارجية وداخلية، لا سيما من قبل أميركا وبعض الدول الأوروبية والفاتيكان والبطريركية المارونية لإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها. ومن هنا كانت المواقف المتتالية للبطريرك مار بشارة الراعي التي تؤكد أهمية اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، وأن يكون للبناني رئيس جديد قبل 25 أيار». وتولي الأوساط الدبلوماسية اهتماماً كبيراً بهذا الاستحقاق نظراً إلى أن الرئيس اللبناني هو الرئيس المسيحي الوحيد في المنطقة العربية، وحصول الانتخابات الرئاسية في موعدها يشكل رسالة ايجابية على صعيد حماية الدور المسيحي في لبنان والمنطقة.

حظوظ الشخصيات المرشحة

لكن من هي الشخصيات الأكبر حظاً في الوصول الى موقع الرئاسة الأولى في حال اجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها وعدم التمديد للرئيس الحالي العماد ميشال سليمان؟

تقول مصادر سياسية مطلعة إن هناك ثلاث شخصيات تعتبر الأكثر حظاً حالياً من بين الشخصيات التي يجري الحديث عنها، هي: النائب والوزير السابق جان عبيد، وقائد الجيش العماد جان قهوجي، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وإن كان عبيد هو الأكثر حظاً بين الثلاثة، نظراً إلى علاقاته الإيجابية مع مختلف الأطراف الداخلية والإقليمية، وقدرته على القيام بدور فاعل ووسطي لمعالجة الأزمات التي يواجهها لبنان حالياً».

لكن هذه المصادر لا تنفي امكانية بروز أسماء أخرى من خلف الكواليس أو وصول شخصية أخرى من صفوف قوى 8 أو 14 آذار، في حال تبدُّل المعطيات السياسية. وقد يكون النائب سليمان فرنجية من بين الأسماء المتداولة والأكثر ترشيحاً إن كانت المعطيات السورية والإقليمية متلائمة مع ترشيحه». مع الاشارة الى ان الأوساط الحزبية المسيحية، وخصوصاً حزب الكتائب والقوات اللبنانية والتيار العوني، تضع فيتوات قوية على وصول جان عبيد للرئاسة الأولى، كذلك فإنها لا ترحب بوصول سليمان فرنجية، ما يعطي الفرصة لقائد الجيش العماد قهوجي أو لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة في حال نجاح الأخير بترتيب علاقاته مع بعض الأطراف الداخلية، لأنه يحظى بدعم دولي وعربي بسبب نجاحه في حاكمية مصرف لبنان. لكن بعض قوى 8 آذار تتحفظ على هذا الدور بسبب تعاونه مع بعض الجهات الدولية في التضييق على مصارف ومؤسسات مالية لبنانية على الصعيد العالمي.

على كل حال، إن بازار الانتخابات الرئاسية قد بدأ، وكل الجهات المعنية بدأت تدرس خياراتها، وإن كان الملف الحكومي والصيغة التي سيرسو عليها سيكون لها تأثير كبير في مجريات هذا الاستحقاق الهام دستورياً وسياسياً.

لكن ملفات الشخصيات الرئاسية المرشحة بدأت تُستكمل لدى الدبلوماسيين وأصحاب القرار، وفي الأسابيع القليلة المقبلة سوف تتوضح الصورة بشكل أفضل.

مجلة الامان-7-2-2014- قاسم قصير