اوكرانيا وأزمتها من جديد تحتل صفحات الجرائد اليومية وشاشات التلفزة، وتتصدر الواجهة السياسية ،العنف يزداد يوميا وخاصة بعد قرارات البرلمان الاوكراني "الرادغا"الذي يمنع التظاهر ونصب الخيام ومعاقبة المتظاهرين .

كان رد المعارضة شرس وعنيف دفع بالمتظاهرين للمواجهة الدموية الذي سقط نتيجتها القتلى والجرحى. هذا العنف لم تشهده اوكرانيا من قبل،لقد انتشر العنف في المناطق الجنوبية والشرقية الموالية تاريخيا لروسيا.

حاول الرئيس الاوكراني التوجه نحو المعارضة ومطالبتها بالحوار والتفاوض  كردة فعل سريعة لكي يمتص فتيل الازمة، لكن هذه الدعوة اعتبرتها المعارضة ناتجة عن ضعف النظام، ذهبت للحوار على انها الطرف الاقوى، وبعد التحاور خرجت المعارضة بإعلانها عن رزمة شروط رافعة سقف مطالبها ودعت الرئيس فورا للاستقالة وإجراء انتخابات برلمانية ورئيسية مبكرة ، وإطلاق السجناء والمعتقلين منذ اندلاع الحراك الاوكراني وإصدار العفو العام عن المعتقلة يوليا تميوشنكو والتوقيع على اتفاق الشراكة مع اوروبا  .

فالمعارضة تتجاوز في مطالبها الدستور والقوانين ، فكأنها تحاول الانتصار على الرئيس في اطلاق شروطها دون اعطائه المقابل،  وكأنها تقول الامن مقابل هذه الشروط ، طبعا المعارضة ليست الاكثرية ولا تملك الشارع الذي يحميها بل تملك جزءا صفيرا من الشعب وبالتالي أي حركة انقلابية سوف تدفع ثمنه المعارضة لاحقا مما سيؤدي الى انقسام الشارع الاوكراني والذهاب نحو سيناريوهات مختلفة . فالرئيس يونوكوفيتش رد بدعوته لزعيم المعارضة ارسيني ياتسنيوك رئيس حزب الوطن(حزب يويوليا تيموشنكو) بتولي رئاسة الوزراء و تولي الشخصية الثانية في المعارضة المصارع العالمي ورئيس حزب الضربة فيتالي كلوشكو نائب رئيس الوزراء للشؤون الانسانية . وبالرغم من تحذير المعارضة تيموشنكو من سجنها بعدم قبول هذا العرض الذي قدمه الرئيس الاوكراني لكونه فخ نصب للمعارضة بظل الوضع الاقتصادي التعيس الذي تعيشه اوكرانيا .

وبالفعل قدم رئيس الوزراء ميكولاي ازارف استقالاته ب26 يناير كبادرة حسن نية من الدولة نحو المعارضة.

ازارف هو رجل روسيا القوي في اوكرانيا والمرشح القادم للرئاسة.هو صاحب فكرة الاندماج في فضاء الاوراسيا الاقتصادي وترتيب العلاقة مع روسيا.

لكن السؤال الذي يطرح نفسه لماذا استقال ازارف بسرعة ،وهل يمكن للمعارضة تشكيل حكومة بالوقت الذي لا تمتلك اكثرية برلمانية تخولها تشكيل حكومة وتطبيق القرارات وسن القوانين الذي يجب ان يصادق عليها مجلس النواب بغالبية الثلثين  بمجلس النواب"الرادغا".والجدير بالذكر بان اوكرانيا بعد الثورة البرتقالية تحولت الى دولة نصف برلمانية ونصف رئاسية وبالتالي الكتلة الفائزة في الانتخابات هي التي تشكل الحكومة منفردة او بالتحالف مع بعض الكتل الصغيرة.

فالرئيس يحاول تحميل المعارضة المسؤولية في اي تصرف قادم امام الجمهور والراي العام العالمي حقا هو فخ قانوني وسياسي .

فالمعارضة تعلم جيدا هذا الفخ وهي تحاول قلب الموازين من خلال الضغط العالمي والتهويل بالحرب للتوصل الى اتفاق يتم من خلاله اجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية والعودة مجددا الى سدة الرئاسة ، ولكن من الذي سيغطي هذا الحدث الانتخاب وبأية اموال فالمعارضة لم تحسب الظروف الحالية وأوروبا هي من تخلت طوعيا عن اوكرانيا لصالح روسيا وأمريكا بعيدة عن الدخول بصراع مع روسيا،فالظروف تختلف عن العام 2005 حين اجبر الاوكران على اجراء انتخابات رئاسية ثلاث  مرات وتم اسكات روسيا.

الوضع يختلف كليا روسيا لن تسكت عن اي خرق لحديقتها الخلفية ،الغرب لن يؤمن الدعم المالي لأوكرانيا،الغربيين كانوا في السلطة والشعب من اسقطهم .

اوكرانيا عرضت نفسها للبيع وروسيا اشترت برضى الغرب،لقد دفع الروس 15 مليار دولار ثمن اوكرانيا وعقود تخفيضية لسعر الغاز. و كان الاوكران  قد طلبوه سابقا من الغرب ب20  مليار يورو.

على الصعيد العالمي فان الصعود الصاروخي للسياسة الروسية ومحاولتها الدائمة تسجيل النقاط على الادارة الامريكية ،وبظل الاستياء الشعبي الكلي   من سياسة القيادة الاوكرانية التي تسودها الرشوة والفساد.وطبعا الحالة الاوكرانية المعترضة على السياسة الاوكرانية الحالية ، وفقدان مصداقية البرتقاليين والزرق في الشارع الشعبي بسبب الرشوة والفساد والسياسة الاقتصادية الفاشلة التي وضعت الدولة امام الافلاس.

وبظل هذا العرض المفصل للوضع في اوكرانيا تبقى الاشارة الى عدة سيناريوهات محتملة قد تفرض على اوكرانيا:

1-الحرب الداخلية والذي سيدفع ثمنها الغربيون الاوكران  وبالتالي سوف يكون مصيرهم كحال البوسنة، هذا حقد تاريخي بينهما منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية لا يزال الجرح دفين بالرغم من محاول الدولة السوفياتية عدم السماح بإخراجه للعلن فالغربيين الذين تعاملوا مع الفاشية هم من مارس  ابشع انوع التعذيب ضد الشرقيين .

2- الدولة  سوف تستخدم سيناريو مصر وسوف تنقض على المتظاهرين بعد رفع الغطاء عنهم كما كان حال الاعتصام في رابعة العدوية .

3-التوصل الى اتفاق مع الغربيين بواسطة امريكية يدفع ثمنها من روسيا.

فالتصعيد  الحالي في اوكرانيا يستخدم ضد روسيا وقيصرها من قبل الغرب وفي محاولة جدية لتهديد وضع روسيا التي تأسر الملف السوري وتحاول من خلاله تسجيل النقاط على امريكا.

يعتبر السيناريو الاخير هو الاهم والأقرب الى الواقع في محاولة الضغط على روسيا ،لان الغرب يعرف قدرة المعارضة الاوكرانية وأحوالها المالية وكان له  في السابق تجربة فاشلة  معها.

اوكرانيا اذا هي  ورقة ضغط على روسيا وسياستها التعنتية في سورية،فالمشكلة مفتعلة ومطروحة بوجه روسيا مما وضع الروس في موقف حرج لابد من  التفكير الجيد بهذا المأزق التي باتت به روسيا امام خيارين لا ثالث لهما اما التمسك بسورية وخسارة اوكرانيا ـ فسورية ليست ورقة رابحة للروس سوف يفتح عليها ملفات عديدة مثل العلاقة مع العرب والمسلمين والإرهاب والانسحاب من افغانستان وتأثيره على الجمهوريات الاسلامية في اسيا الوسطى ووضع روسيا في داخل الجمهوريات الحليفة لها.

ان خطورة الورقة الاوكرانية التي تلعبها امريكا وتضعها بوجه روسيا اجبر القادة الروس المعنيين بالدبلوماسية الروسية التفكير الجدي بمستقبل سياسة روسيا وأخذها نحو الواقعية والخروج من سياسة تسجيل النقاط . حيث الان بات دور امريكا في تسجيل النقاط على روسيا .

فالتفكير العقلاني الروسي بسياستها  نحو مناطق نفوذها قد يدفعها الى تحرير الملف السوري ويخرجها من وهم القوة المضخمة ، ويمنعها من طرح حسابات خاطئة  ايهما افضل لروسيا سوريا او اوكرانيا؟       

د.خالد ممدوح العزي .

كاتب اعلامي مختص بالشؤون الروسية ودول الكومنولث.

 Dr_izzi2007@hotmail.com