عندما اندلعت الثورة السورية في اذار\ مارس 2011،كانت ثورة شعبية بكل معنى الكلمة لمفهوم الثورة، لقد ابدع الشعب السوري الثائر في ثورته من خلال مواجهته للنظام القمعي بكل اساليب الاعتراض والتظاهر السلمي ، كالدبكة والرقص الجماعي والأهازيج الشعبية والنكات والكتابات والرسم الغرافيكي  والتصوير واليوتيوب  و"رجل البخاخ".

كانت الثورة يوما بعد يوم تزداد في التأييد والشعبية في الداخل والخارج ، فكانت الحشود الشعبية تزداد والانشقاقات تتزايد،العالم ينظر لهذه الثورة بنظرة الاعجاب والمؤيد لأساليبها السلمية لكونها الرد القوي و الحقيقي على دبابات الاسد وطائراته وسلاحه الروسي ،جميعنا كان ينتظر خروج عبد الباسط الساروط  و فدوى سليمان في احياء حمص، كنا ننتظر اسماء الجُمع وشعاراتها ولافتاتها لما تحمله من معاني حقيقية لمقاومة النظام .كنا ننتظر التظاهرات لنسمع الاناشيد والشعارات التي ابدع فيها الشعب السوري طوال فترتها السلمية،مما شكل تنافس بين المدن والقرى على كتابة اجمل شعار او رفع اجمل تعبير.

لكن النظام نجح في اخذ هذا الحراك الشعبي الى حيث يريد لقد نصب الفخ وتمكن من ايقاع الثورة والشعب السوري فيه.استطاع ابعادها عن واقعها وهدفها وشعاراتها وادخلها في اتون الحرب الاهلية.اصبح العالم كله ينظر لها كونه ثورة ارهابية عنفيه فوضوية ذات صبغة مذهبية،فهذا الوصف والصورة اضعفت التأييد لها عالميا نسبة الى بداية اطلاقها عندما حضر الى مؤتمر اصدقاء الشعب السوري الاول 130 دولة قد رفعت الغطاء الشرعي والدبلوماسي عن نظام الاسد.

انخفض الحماس العالمي للثورة السورية، وتبدلت همومها وشجونها ، فالتخوف من شبح الارهاب الذي اطلقه النظام من كهوفه القديمة  في المرتبة الاولى لها، النظام يحاول استخدام هذه الورقة  لقلب الطاولة رأسا على عقب. فالعالم وضع الارهاب ومحاربته في سلم اولويته استفاد النظام في محاربته لشعبه تحت هذا الشعار من السكوت والتواطؤ الدولي.

في متابعة سياسة  للإجرام اليومي والقتل والتنكيل  والاغتصاب والسرقة والتهجير الذي وقع ضحيتها اكثر من 11 مليون سوري في الداخل والخارج من اجل اخماد الثورة التي زلزلت عرش الاسد ونظامه.   

ذهب النظام في  22 يناير  الى جنيف-2  مجبرا على الجلوس بوجه المعارضة الذي لا يزال يصر على عدم الاعتراف بها ، محاولا العبث بجدول المؤتمر من خلال تغير الاولوية في محاولة جديدة منه لكسب ود العالم والرأي العالمي بأنه ضحية الارهاب المنظم من ثورة الشعب السوري الارهابية التي تحاول التخلص من حكمه.

تكلم وفد ازلام النظام المدللين في جنيف باللغة الانكليزية حصريا وخاصة هؤلاء ممن خدموا النظام في المحافل الدولية ولهم الخبرة الدبلوماسية والحنكة الماكرة.حاولوا ابعاد المفاهيم والانطباعات لدى الرأي العالمي والتأثير عليه من خلال مخاطبته بلغته لكسب وده وعطفه وهم يعلمون بان الجماهير الغربية هي من لها التأثير الكبير في صناعة السياسات الخارجية لدولها. فالكلام كان بعيدا عن طبيعة المهمة المقترحة للحل ، لقد احرجت بثينة شعبان في احدى المقابلات مع الصحافة الدولية عندما طرح عليها السؤال وهل في اولاوياتكم المطالبة بخروج كل القوى الاجنبية من سورية بما فيهما حزب الله والحرس الثوري ،فلم تجب وجاء من ينقذها من الورطة بان قناة"البي بي سي" تنظرها لمقابلة خاصة. فالتكلم بالانكليزية من قبل الوفد السوري الرسمي ،كان يهدف  لفك عزلة الوفد الذي وضع فيها من قبل الجميع رغم وجود روسيا التي كانت محرجة وملبكة من تصرف الوفد السوري  حتى احدى القنوات الفضائية وتحديدا"بي بي سي وضعت تحت صورة "سرغي لافروف" في كلمته في يوم الافتتاح وزير خارجية سورية ، خاطب وليد المعلم وقلل ادبه في المحافل الدبلوماسي ورفع سببته بوجه السيد كيري التي لم تفك عزلته ـ

المماطلة والمراوغة والأحاديث التافهة والشعارات الفارغة هي صفات نظام الاسد.

لقد كان وضع المعارضة افضل في المؤتمر بالرغم من حالة التفكك التي اصابتها قبل الذهاب الى جنيف وخطابها موحدا ذات توجه هادف ،لكن الحنكة الدبلوماسية كانت مفقودة والخبرة غائبة ،كان من المفترض ان يترأس الوفد معارض مسيحي او معارضة لمخاطبة الرأي العام الغربي بظل الهجمة الداعشية وكذلك كان من المفترض ان يضم وفد المعارضة شيخ يخاطب الرأي العام العالمي ويتبراء من هذا الارهاب الذي يتم الباسه للإسلام من خلال موقعه كشيخ اسلامي. لقد نجحت المعارضة في تمثيل الاقليات في وفدها وليس بدرجات.

لم ينتبه الوفد للتحدث الكامل باللغة الانكليزية وما اهمية دلالاتها وتأثيرها على الرأي العام وان يبتعد عن التجاذب والتصاريح الذي يحاول النظام اشغال العالم بها.

ان غياب الدبلوماسية كانت نقطة ضعف وفد المعارضة الذي كان يترتب عليه الاستعانة بالأشخاص الذين لهم باع طويل في هذا المجال . صح خطاب الجربا كان خطابا رائعا والاستشهاد بملف الصور الذي  له التأثير الكبير على الرأي العام العالمي وعلى الوفود الاخرى المشاركة، وتعتبر هذه الصور الصاعقة الحقيقية على راس وفد النظام لما لها من خلفيات قانونية تضع في اطار الجرائم الانسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي.

لكن كان على المعارضة التحضير لملفات اخرى لا تقل اهمية في عالم الجرائم وهي ملف الاغتصاب الممنهج من قبل النظام والتعذيب والسرقة والتهجير والتغير الديمغرافي .

ليس فقط من خلال تحضير ملفات خاصة بهذه القضايا بل التوجه نحو الناس من خلال التدوين الشخصي لكل الحوادث التي تعرض ويتعرض لها المواطن السوري في سورية ومخيمات اللاجئين في دول الجوار ،ولعل التحدث عن الاغتصاب من اقوى الملفات وأشجعها في عالم شرقي يخاف ابراز هذه الحوادث الخاصة تلافيا للفضائح.

ان ابراز هذه المشاكل الى العلن يتطلب من الائتلاف السوري المعارض الاهتمام بعملية التوثيق المصور والمكتوب من قبل الاشخاص انفسهم لانتهاكات جماعة النظام لهم. فالتدوين لعملية السرقة والقتل والتعذيب والاغتصاب لا يمكن الهروب منها وهي الكفيلة بأخذ المتهمين لأعلى المحاكم الدولية، لكونها هي التي تترك بصماتها على عقول وقلوب الرأي العام الاجنبي.

فعلى مؤسسات الائتلاف الانتباه والاهتمام بعملية التدوين والتوثيق من خلال تقديم الاموال الكافية والاستعانة بالخبراء الاجانب والسورين وفي سورية يوجد جيش من المعارضين الكتاب المشهورين الذين لا تنقصهم سوى الاموال والتوجيه. وفي احدى المؤتمرات الدولية الخاصة بحقوق الانسان العربي الذي عقد العام الماضي في بروكسل كان الاعلاميين والباحثين والأخصائيين في علم النفس والاجتماع والجريمة يهتمون بما تم نشره من حوادث اجتماعية في العالم العربي وخاصة اثناء الحراك العربي وتحديدا عمليات الاغتصاب والتعذيب في المعتقلات.

الغرب اليوم يهتم بكل ما يكتب ويدون عن المشاكل الانسانية لأنه يريد ان يعرف ماذا يحصل ،وبالتالي الرأي العام الامريكي  والحزب الحاكم يهتمون بالقضايا الانسانية والاجتماعية والديمقراطية وحقوق الاقليات،وهذه المشاكل تفرض على السياسة الاميركية دوما التحرك.

  والعجيب ان خطاب اوباما السادس في الكونغرس الامريكي ب29  يناير 2014 اكتفى  بأنه سوف يقدم للمعارضة السورية التي لا ترتبط اجندتها بالإرهاب مساعدات عسكرية ولم يتم التلويح باستخدام القوة العسكرية ضد النظام وداعش والإرهاب بحال فشل المؤتمر .    

د.خالد ممدوح العزي

كاتب سياسي ومختص بالإعلام السياسي والدعاية .

Dr_izzi2007@hotmail.com