تمنّ

حين تكلّم نجمةً
إفعلْ كأنّ عرقًا صغيرًا
أفلَتَ من سجنِهِ،
أو كأنّ صوتًا قديمًا لامَسَ ظلّك
من دون أن ينبّهَك إليه.
حين تكلّمُ كوكبًا جديدًا في السماء
لا تظنّ نفسَك غريبًا،
فأنتَ منذُ غادرتَ أعمدةَ الملحِ وراءك،
ومنذُ ارتفاعِكَ على صليبِ الضواحي
بعلوّ مئتي مترٍ
على تلال المدينة
فأنتَ هكذا
مثل حرفٍ سنسكريتيٍّ في لغة
الأسلاف.
وحين تكلّمُ الفرندا
لتخبرَكَ عن حركتها الدائرية الجميلة
البارزة للعيون في شارع
الفردوس،
فلا تطلْ بقاءك هناك لئلاّ العتمة
تغمرك
فلا تعود الى المائدة التي أعدّتها لك أنامل صديقة،
وحين تكلّم مجسّمات البيوت
في أجواء عازفيْن محلّيين
تقول إنّ صغرها مؤلمٌ جدا
وعليها أن تفعل شيئا لتضييع النغم
من بين شقوقها اللاتُرى.
مع ذلك، فأنتَ لا تتكلّم كثيرا
ولا أخفيك، لا تتكلّم
على الإطلاق.
* * *

أنشودة الوحل
الآنَ
أمسحُ عن جبيني
هذا الوحل.
أخرج منه كأوّل طيرانِ
اليعسوب.
طَعْمُ التراب فيه
مغربلٌ
ولزوجتُهُ المالحة قليلا
تغري الشديدَ العطَش حتّى
الموت.
أنتَ ساطعٌ وناريٌّ
كالحمم المقذوفة من الشرفات العالية
كوجهكَ.
الوحلُ غرّة الغرباء وحدهم
نجمةُ فجرهم
هو الثوبُ الضروريّ للشريد
في الفلاة
في البوار من البوادي،
هو الدّواء للشبيه بالهنديّ الأحمر في
بلادٍ قيدِ السبي،
أو هو مثل ورقة الأفوكا المصابة بالجنزار
الساقط من علُ
ربّما
والمتحدّر مع الندى في الصباح
شبهِ الجديد.
الوحلُ؟
عربتُكَ التي تنبش الطريق
تأكله بأشداقها الأربعة
الطالعة من المعملِ، خلنج!
مثل أوّل نورٍ يطلّ على وليدٍ
من أرضِ الخراب.
الوحلُ؟
ربّما تخطمه الدواليبُ
غصبا عن الطريق
في سباقك الى القمّة
وسطَ رهطٍ من ذوي الدماء النقيّة
الهادرين بالنعمة
كإدمان الشوق الى الرياح العاتية.
والوحل؟
سوف تلفظه غدا
في المحطّة الآتية
المصنوعة لكَ وحدَك
فتعود نقيّا كما
بعد الزوفى.
الوحلُ أو الطينُ
بلغة بعض القبائل، هو الأصل.
وها أنذا أختلط به
اختلطتُ به
ولم آنفْ منهُ.
لا أتذكّره الآن،
أحياهُ
مع أمثالي
وأكادُ أعمر المدينة الجديدة
به،
الوحل.
* * *

مشاهد
هذا العالمُ
فوق طاقة اليدين.
مع ذلك لا يسعني إحراقه.
إنه عطر المدينة
وخمرتُها اللذان على رفّ عالٍ
كالخيال.
* * *
ليس ذلك خطأ الثلج.
هو قلّة اشتعالكَ
هو اصطبارُك على رصيف النزل
مدجّجا بالصور
شاربا نبيذها على البعد.
ليس ذاك طعمُ الثلج،
ولا حلمه الطويل
برأفة الشعاع.
* * *
إتّكئْ على الفراغ
وابسُطْ يمينك
لعلّها
تَنبت
تُنْبِتُ.
* * *
في الطابقِ الخامس من رأسي
هدوءٌ أجولُ فيه،
بمعونةِ قبطانٍ مستقيل
وطيورٍ ناجيةٍ جدا،
وأعاود رسم وجهي
في الطابق الثاني،
لأعرف كم عليّ أن أصعد
بعد.
* * *
ناورْ
إحتمِ بالحرفِ الكبيرِ والنافر لهذه
اليدِ التي صنعتْ ترسا
في الصباح، وشقّته في الليل،
كأنّها سبارتاكوس مزيّف أو تعِب
من عبور الوقت على محفّة الغبار.
إبتعدْ قليلا لترى كم
يلزم عينيك أن تغمضا لتريا مسراهما
في اليباب.
قامرْ
بما صمد من العتمة
بمنجم الأحلام الفريد
ثمّ اعرضْهُ على نارٍ عظيمة
ليذوب
ذوبانا ثالثا
لا أخيرا.

أنطوان أبو زيد