تضع التفجيرات الانتحارية التي حدثت في روسيا بالأمس المشكلة الشيشانية " القوقازية بشكل عام في الواجهة وتؤكد على عدم التوصل الى حل بالرغم من الاطباق الرسمي للدولة والسيطرة على اقليم الشيشان بالقوة العسكرية وتهجير كل السكان منها بقوة التدمير. فقضية الارهاب  اصبحت  مشكلة جوهرية في  كل الجمهوريات الاسلامية ذات الحكم الذاتي والتي تعيش من حالة حرب يومية بين الدولة والجماعات المتمردة فالإعلام الروسي  يحاول عدم اظهار المشكلة القوقازية و يحاول تصويرها على أنها مشكلة مع الارهابيين .

فالجدير بالذكرى بان الدولة الروسية استطاعت ضرب التمرد الشيشاني في العام 1999 والذي ساعد على سطوع نجم الرئيس فلاديمير بوتين،ولكن المشكلة التي لم تحل بالرغم من ضرب الهرم المركزي  لهذه  القوى المتواجدة في الشيشان والتي صنفها بمركز الارهاب.  مما ساعد على نمو اللامركزية القوقازية المعادية للنظام الروسي المنتشرة في كل المناطق الجنوبية حيث تتمركز القوة البشرية الاسلامية خزان هذه الجماعات والتي تحاول توجيه ضربات  للجيش والأمن وللطبقة السياسية الموالية للنظام الحالي بالإضافة الى ضرب مناطق حيوية محاولة توجيه الانظار الداخلية والخارجية نحوه  لإثارة الرأي العام .

فالعملية الانتحارية  الاولى التي تم تنفيذها في مدينة فولغوغراد الروسية بتاريخ 29 ديسمبر\ كانون الاول 2013 والتي ادت الى مقتل العديد  من الاشخاص وجرح العشرات  نتيجة تفجير انتحاري تم في محطة قطارات المدينة ،وقد افادت وحدت مكافحة الارهاب الروسية التي كشفت على المكان فورا، بان منفذ العملية هي انتحارية ، اضافة الى تنفيذ عملية ثانية في 30 ديسمبر في احدى الحافلات التي تنقل مدنيين مما اوقعت اضرارا بشرية بين قتلى وجرحى  وهذه العملية الثانية خلال 24 ساعة في نفس المدينة الجنوبية التي تعيش فيها غالبية سمراء يصعب التدقيق بهوياتهم وأوراقهم  الثوبتية لكون المدينة بوابة عبور الى المدن الاخرى ويقطنها اغلبية قوقازية  . فالعملية التي تم تنفيذها بالمدينة الجنوبية القريبة من مناطق القوقاز الجنوبي ذات التوتر الشديد ،والذي يعاني من اشكاليات قديمة  جديدة، فالمشكلة لم يتم حلها نهائيا طوال فترة الدولة الروسية الحديثة. وللافت في الامر بان بأنه من السهل جدا ان تقوم انتحاريات جنوبيات بتنفيذ مثل هذه العملية والتي لم تكن الاولى  في تاريخ الارهاب الروسي  التي  يقمن بها  انتحاريات . ففي الادبيات الروسية الحديثة ظهر مصطلح المرأة السوداء وهذه النساء بالأغلب ما يقمن بتنفيذ عمليات انتحاريات ضد اهداف  عامة في المدن الروسية ، نتيجة  سهولة تجنيدهن  وسهولة تحركهن في روسيا ، وبالتالي مما يسمح للمجموعات المتمردة التركيز على تجنيد النساء اللواتي  قد نجد منهن الكثيرات مستعدات لتنفيذ هكذا اعمال بسبب وضعهن وماساتهن لجهة قتل اهلهن او اخواتهن او من تعرضنا لاغتصاب في فترة القتال .

ان نجاح هذا العمل التخريب الذي يضرب روسيا في هذه الفترة في  فترة الاعياد فالإرهاب والإجرام يحاول   زرع الخوف في نفوس الشعب الروسي  بوجود قوة اسلامية ارهابية تحاول التأثير في روسيا والعبث في حياها الداخلية  .  يأتي هذا العمل بظل سياسة روسيا التي تنحاز الى النظام السوري وتؤيد دكتاتورية النظام، فالقوى المتطرفة  تحاول  ربط مواقف روسيا السياسية الخارجية بمحاولة ضربها وتصوير شعبها عدوا للإسلام والمسلمين.وروسيا لا تخفي بأنها تخوض حربا ضروسا ضد التطرف السني في سوريا محاولة القضى عليه قبل التمدد الى اراضيها وحديقتها الخلفية.

الجماعات الارهابية المتطرفة الروسية لديها اهداف ثابت ودائمة لكن الفرص قليلة في تنفيذ هذه الخريطة  ولكن حسب قدرتها على التنفيذ لبنك الاهداف الموضوع في استراتجيتها  من الصعب كان تنفيذ هذه العمليات في  المدن الكبرى ك"موسكو وسنبطربورغ بسبب الحماية المشددة من الدولة . تكمن  اهمية هذه العمليات  الارهابية التي حصلت في محطة القطارات  والحافلة التي استهدفت مدنيين بأنهم اهداف حيوية للإرهاب  لكون المواطنين العاديين في مرمى نارهم  ،فالإرهاب استطاع  اختراق النظام الامني الروسي مما ساعده على تسجيل نقاط جديدة لصالح قضيته على حساب الدولة الرسمية.  ان تنفيذ  هذه الاعمال الارهابية ليست جديدة والتي  تركت بصماتها السابقة على مثلهذه الاهداف المدنية ،  ولكن نجاح هذه العمليات  تنذر بان المجموعات المتمردة سوف يكون لها اعمال ارهابية قادمة تحاول ان تفرض نارها على روسيا ورئيسها "فلاديمير بوتين" بخاصة قبل موعد افتتاح الاولمبياد الشتوية الذي سيتم افتتاحها في 14 شباط \فبراير 2014. في مدينة "سوتشي"  الجنوبية القريبة من مناطق المتمردين القوقاز والجمهوريات الاسلامية الثائرة ذات الحكم الذاتي في روسيا الاتحادية .فان نجاح الاعمال الارهابية ضد روسيا سوف تشكل صفعة قوية للرئيس بوتين الذي يعتبر ابو الاولمبياد، وسيضع روسيا في موقف حرج عالميا مما قد يفرض على بعض الدول مقاطعة الاولمبياد الروسي خوفا من عملية ارهابية، فروسيا لا تريد    تتكرر تجربة عام 1980 التي تمت فيها مقاطعة اللاعب الاولمبية ولكن لأسبب سياسيه موسكو التي استنفرت كل قواه الامنية والني استدعت الى عقد جلسة مجلس الامن القومي وتكليفه بفرض الامن حتى لو بالقوة. روسيا التي تشعر بقوة النصر الدبلوماسي  بظل نجاحاتها الصاروخية في اعادة دورها الى الحلبة الدولية كاللاعب ثاني لا تريد ان يفرض عليها الارهاب شروطه وخاصة هي التي قاتلته في سورية بدعمها للنظام السوري.

فالجدير بالذكر بان الرئيس اوباما الذي تضامن مع روسيا بمواجهتها للإرهاب محاولا تقديم الدعم لها من اجل المكافحة ما هو إلا تأكيد رسمي امريكا بان روسيا شريكة في محاربة الارهاب والتطرف ولا يمكن السماح للإرهاب ان يسجل اي انتصار عليها .اضافة الى ان امريكا تريد ان تساعد روسيا في انجاح الاولمبياد كي لا تكون هذه المناسبات اهدافا قادمة للإرهاب . 

 

د.خالد ممدوح العزي

كاتب وإعلامي لبناني مختص بالشوؤن الروسية .