زوجة السياسي الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني وابنته قررتا عدم العودة إلى طهران خوفا من تعرضهما للمساءلة والعقاب
 

بينما ينشغل العالم بالانتخابات الرئاسية في إيران، وصلت إلى لندن عفت مرعشي زوجة السياسي الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني ترافقها كبرى بناتهما فاطمة، هذا السفر هو جزء من تفاصيل الصراع المشتد في الكواليس على السلطة والمغانم بين أطراف النظام.

لم تعلن عائلة رفسنجاني عن سبب سفر زوجته وابنته المفاجئ إلى لندن صبيحة السادس عشر من أبريل 2017، لكنّ العائلة تملك عقارات ومصالح في مدينة الضباب تؤهلها للسفر دون صعوبات، ما أثار اعتراضات وشكوك النظام على مدى عقود. نقلت خبر سفر السيدتين وكالة أنباء تسنيم شبه الرسمية الإيرانية.

فائزة هاشمي ابنة رفسنجاني الصغرى من الناشطات السياسيات المعارضات للنظام. وتقضي اليوم ستة أشهر في السجن، إثر الحكم عليها في منتصف مارس الماضي بالسجن بسبب انتقاداتها المتكررة للنظام على شاشة تلفزيون “در تي في” الذي يبث على الإنترنت، وهي المرة الثانية التي تساق فيها فائزة إلى السجن بعد إغلاق مجلتها المثيرة للجدل “زن أمروز”.

كانت فائزة هاشمي سيقت إلى القضاء بعد أن اتهمها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وأفراد من عائلة رفسنجاني بالتورط في قضايا فساد.

وسبق لمهدي هاشمي، نجل رفسنجاني الرابع، أن غادر إيران هاربا من اتهامات وجهت له، قاصدا لندن، ليقضي فيها نحو أربع سنوات، وما إن عاد إلى البلاد حتى أحيل إلى القضاء وحكم عليه عام 2015 بالسجن 10 سنوات بتهم الارتشاء والاختلاس والفساد. وقضت المحكمة بضربه خمسين جلدة وتغريمه مبلغ 2 مليار تومان (5.200 مليون دولار)، كما نقلت وكالة أبناء فارس الرسمية.

وسُمح لمهدي رفسنجاني أن يغادر سجن أيفين حيث يقضي محكوميته ليشارك في مراسم دفن والده، وشوهد هو وأفراد عائلته يحملون نعش هاشمي ويوارونه الثرى، فيما انتظره حراس مسلحون أظهرتهم بوضوح وسائل الإعلام الإيرانية وهم يتحفظون على مشاركته في مراسم التشييع والدفن.

تشيع في الأوساط المقرّبة من عائلة رفسنجاني أنّ زوجته وابنته فاطمة قررتا عدم العودة إلى البلد، خوفا من تعرضهما للمساءلة والعقاب. وقد تعززت الهجمة على عائلة السياسي الثري رفسنجاني بعد وفاته العام الماضي.

شخّص الكاتب اللبناني علي الأمين في مقال نشرته صحيفة “العرب” مرحلة ما بعد رفسنجاني بالقول “بغياب رفسنجاني يمكن القول إنّ حبل الإصلاح في النظام الإيراني انقطع. الحبل الذي كان يربط بين مبادئ الثورة الإسلامية وبين فرص الانتقال إلى دولة حديثة، أي الإصلاح من داخل التجربة (…) ومع رحيل رفسنجاني يستطيع مرشد الثورة والحرس الثوري التحضير لخلافة خامنئي من دون أي قلق كان رفسنجاني يسببه”.

موقع رفسنجاني السياسي اهتز كثيرا بتولي محمود أحمدي نجاد السلطة عام 2009. وانتقد رفسنجاني مرارا سياسات نجاد علنا.

من خلال شريط فيديو بُث قبل أيام، أجاب نجاد على أسئلة الصحافيين الهجومية المنتقدة محولا أسهم النقد علنا إلى خامنئي الذي عطل صلاحيات رئيس الجمهورية، وسيطر على مجلس الأمن القومي وقرارات أجهزة الأمن الأخرى.

وسرعان ما جاء رد فعل خامنئي قاطعا، فقد نقلت وكالة تسنيم عن لجنة الانتخابات الرئاسية في العشرين من أبريل 2017 أنّ مجلس تشخيص مصلحة النظام وافق على ترشيح 6 شخصيات فقط لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، مضيفة أنّ الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد استبعد من قائمة المرشحين للانتخابات.

هذه التفاصيل الخفية تكشف بوضوح عدة جوانب في المشهد السياسي الإيراني منها:

*بوفاة رفسنجاني وتشتت عائلته، ضمن خامنئي خلو الساحة له من منافس خطير كان يرى فيه كثيرون الرجل الأصلح لتولي منصب مرشد الثورة الذي يسعى خامنئي للاحتفاظ به حتى مماته.

*يُحكم علي خامنئي قبضته على السلطة بتصفية كوادر الصف الأول من الساسة الذين صنعوا الجمهورية الإسلامية، والاتهامات جاهزة دائما ما دامت فضائحهم متعاقبة، وهكذا تخلص من منافسه رفسنجاني وتخلص كذلك من نفوذ أفراد عائلته، وعزل نجاد الشعبوي وأبعده عن الصراع الرئاسي.

*يعمّ الفساد مفاصل الدولة، ويستفيد الساسة من الحصار الدولي الذي فرض على إيران وتداعياته لتعزيز مواردهم الشخصية ودعم مشاريع تضمن نفوذهم خارج مظلة الحرس الثوري.

*يتنامى الصراع بين أطراف النظام، لنيل جزء من السلطة حسبما يتيح الدستور الإيراني، ويبلغ الصراع ذروته بين المعممين الذين يعدون عماد السلطة في هذا البلد.

*تتيح استراتيجية “تصدير الثورة” التي اعتمدها وأطلقها الخميني، وحرص على متابعة تطبيقها بعده علي خامنئي خلق فضاء متشنج يقترب من إعلان حالة طوارئ دائمة بما يصرف الأنظار عن المشهد المتأزم، كما تتيح لقيادات النظام التصرف شبه المطلق بالأموال العامة لتمرير صفقات تحقق لهم موارد شخصية خيالية.

*يتيح نظام الانتخابات الرئاسية هامش مناورة للنظام، حيث يسمح للقياديين المناوئين للمرشد -الوارث الأبدي للسلطة- بالتنافس على منصب رئيس الجمهورية المجرد من الصلاحية، وهو متنفس لطموحاتهم السياسية، يخفف إلى حد كبير من الاحتقان، كما أنّ التنافس الانتخابي الذي يجري كل أربع سنوات، يصنع حراكا سياسيا وهميا، يشغل الرأي العام المحلي والإقليمي والرأي العام الدولي عن حقائق المشهد.